الجمعة ٢٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم تيسير الناشف

سمير يموت متهيجا

لم يكد سمير البالغ العشرين من العمر يصدق أن الحلم الذي كان يراود خياله منذ وقت طويل قد تحقق في النهاية. وعادت بسرعة البسمة إلى وجه أم سمير بعد أن فارقتها بعد موت شقيق سمير فجأة بسبب غير معروف. قال أبو سمير والحزن الشديد يكسو وجهه إنه أخذ ابنه مرة إلى طبيب مقيم في إحدى المدن المجاورة للقرية لفحص شقيق سمير وإن الطبيب حذر من انسداد شرايين قلبه من كثرة اللحوم التي كان يأكلها وهو في منزله الذي يسمع منه غثاء الغنم.

بعد رفض مكرور من والد لمياء لطلب سمير يد ابنته الحسناء وافق الأب في النهاية بعد حث متكرر للوالد من جانب زوجته وأبنائه. من الأكيد أنهم كانوا يراعون سلطة الأب القوية على أفراد الأسرة. ولكنهم كانوا حريصين على الحفاظ على عرض الفتاة. قال عبد الفتاح أكبر اخوته لوالدته: "حماية عرض الفتاة زواجها". قالت الوالدة: "نعم يا ابني. كم مرة سأسمع هذا الكلام منك. إذهب أقنع والدك".

لقد كان أبو عبد الفتاح مقتنعا بذلك، بيد أنه كان يمني النفس بأن يطلب ابنُ ثري يد لمياء، فلعل الوالد يمكنه بذلك أن يحسن حالته الاقتصادية.
توجه أبو سمير وأم سمير وسمير واخوته الأربعة وأخواته الأربع والفرحة ترقص على وجوههم إلى منزل أبي عبد الفتاح للحديث عن موعد كتابة الكتاب. لقد كان سمير متهيجا فرحة وسرورا. وحينما دقوا الباب بالمدق الحديدي الصدئ والباهت اللون فتح أبو عبد الفتاح الباب، قائلا بعينين جادتين مركزتين: "أهلا وسهلا، شرفتمونا". وجلس أبو سمير وأفراد عائلته على أرائك قديمة في غرفة متوسطة الحجم، مجاورة للمطبخ الصغير.
وبحركة من رأس سمير، قد تكون مقصودة وقد لا تكون كذلك، رآها سمير - وكانت هذه المرة الأولى التي رآها فيها منذ وقت طويل – فتسارع وجيب قلبه وهي تعد القهوة بالهال في المطبخ. وأقبل اخوة لمياء ولمياء مسلّمين ومرحبين على أبي سمير وأسرته.

وازداد سمير تهيجا، وأصبح العرق على وجهه متصببا من شدة التهيج وهو يخطف النظرات الحارة المليئة بالشوق إلى لمياء التي كان يمني القلب أن تكون يوما ليس ببعيد زوجة له وأما لأولاده. وما أن اقتربت منه، وهي تحمل صينية القهوة لتكرمه وتكرم أسرته بها، حتى وقع ممددا على أرض الغرفة.

قال أبو سمير مستغربا بنبرة جادة تميل إلى القوة: "ما بك يا سمير؟! قهوة كتابة الكتاب التي أعدتها الست لمياء في انتظارك".
ولم ينهض سمير. جُس نبضه، فأيقنوا أنه فارق الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى