الثلاثاء ٤ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم حسيب شحادة

في حقيبتك قُنبلة!

بعد غياب عن الوطن دام زهاء ثلاث سنين قام كاتب هذه السطور وزوجته بزيارة مسقط رأسه في قرية كفرياسيف في الجليل الغربي لمدة ثلاثة أسابيع. زيارة الوطن بعد سنين من الغربة ولا سيما بعد رحيل الوالدين الغاليين لها طابعها الخاصّ ووقعها المميّز بالرغم من وجود الأشقّاء والشقيقات والأقارب والأصدقاء. أصل ولّى وفرع يحلّ محلّه وهكذا دواليك. كما يلاحظ القادم، ابن البلد المقيم في الخارج، أمورا وظواهر اجتماعية كثيرة جديدة تشدّ انتباهَه وتشغل باله. منها الابتعاد عن عادات وتقاليد معيّنة إيجابية فيها المحبة والتعاون والوئام والانبهار بقشور الغرب والتهافت إلى المادّة وأنانية صارخة

لسوء الحظّ لا وجود لرحلات جوّية مباشرة من مطار هلسنكي إلى مطار بن غوريون في اللد خلال فصل الصيف، وعليه كان علينا اختيار مطار أوروبي انتقالي ذهابا في العاشر من حزيران 2005 وآخر إياباً في نهاية الشهر المذكور. وقع الاختيار على مطاري زيوريخ وفرانكفورت لما في الأمر من توفير أكثر من مائة يورو

بعد أقلَّ من ساعتين من إقلاع الطائرة الفنلندية من مطار فنتا بالقرب من هلسنكي العاصمة، وصلنا إلى مطار زيوريخ السويسري. كان لدينا متّسع من الوقت، ساعتين ونصف لاستئناف الرحلة على متن طائرة إل عال الإسرائيلية. ومع هذا توجّهنا نحو الركن المخصّص لهذه الشركة للتسجيل أولا ومن ثمّ التجوّل في محلات المطار المختلفة واحتساء القهوة. مثل هذا الركن الإسرائيلي يكون جاهزاً لاستقبال المسافرين أربع ساعات قبل زمن الإقلاع. وإثر تقديم تذكرتي السفر وجوازي السفر لموظف إسرائيلي باسم "أوفير"، كما ظهر على بطاقة مثبتة على صدره، بدأ الحديث التالي: أعندكما حقيبتان في بطن الطائرة من هلسنكي لزيوريخ؟ نعم، اثنتان. ما شكلهما، أواحدة سوداء والأخرى خضراء أضاف أوفير مستفسرا. أجبناه بالإيجاب مستفسرين عن الداعي لمثل هذه الأسئلة فالاسم الكامل والعنوان مثبتان على كل من الحقيبتين. انتظرا هنا، من فضلكما، وأخذ الموظف يتحدث بهاتفه الخليوي مع أحد موظفي الحقائب في أرض المطار. بعد هنيهة أفصح السيد أوفير وبجدية عن السر الدفين: هناك قنبلة في الحقيبة السوداء! لا، قول وغير! شو كذبة أوّل نيسان، أهناك معرفة بيننا تخوّلك لإطلاق مثل هذا المزاح الممجوج، علّقتُ على معلومته تلك. الحقيبتان فُحصتا كما يجب في مطار فنتا الدولي قلتُ له، وحاولت زوجتي أن تقول للموظف أن هناك في الحقيبة إبريق شاي كهربائي وجهاز شاحن للخليوي وقد يكونان السبب في إطلاق صفارة الماكنة الفاحصة إذا كان يقصد ذلك! لا، لا، أجاب الموظف وانتهت مهمته إذ أتى شابّ آخر بشوش ومتزوج من فتاة فنلندية كما أعلمنا على الفور متفوها ببعض كلمات بهذه اللغة وقادنا إلى مصعد يصل إلى طابق سفلي حيث المخازن، على ما يبدو، للتأكّد من أن كل محتويات الحقيبة "المشبوهة" قد نُقلت إلى كيس بلاستيكي مقوّى وضخم، كما وقال ذلك الشاب مبتسما عند سماعه عن نبأ القنبلة إن هذا هراء والموظف أوفير لا يعرف، في حقيقة الأمر، عمّا يتكلم! كل ما في الأمر، أوضح هذا الموظف الجديد أن ماكنة الفحص "انصرعت" عند تمرير هذه الحقيبة للفحص حتى بعد تفريغها من محتوياتها، إذ لم تتوقف الماكنة عن إطلاق الزمور" والضوء الأحمر! لذلك تقرر الإبقاء على الحقيبة لإجراء المزيد من "الفحوصات" لمعرفة سبب "انصراع" الماكنة. تأكدنا من النقل السليم ووجود كل الأمتعة والهدايا إلا أنه اتضح بعد أسابيع أن بعض البقع قد ظهرت على جاكيت البذلة التي لم تكن هناك حاجة لاستعمالها في البلاد خلال مدة الزيارة

بقيت التذكرتان وجوازا السفر لدى الموظف أوفير، أما حقيبتا الكتف فقد أودعتا في غرفة مقفلة على مقربة من الركن الإلعالي إلى أن حان موعدُ إقلاع الطائرة إلى البلاد. زوّدنا بوريقة معنونة بـ تقرير عن ملك غير منتظم كي يتسنّى لنا عند وصولنا إلى مطار اللد أن نتوجّه لمكتب "الحاجيات المفقودة" بغية تعبئة استمارة بهذا الخصوص، وهكذا كان في مساء يوم الجمعة الموافق للعاشر من الشهر ذاته. اتضح لي لدهشتي أن الإبلاغ عن حقيقة تعثر وصول حقيبة مع صاحبها ظاهرة مألوفة وهي ترسل بسيارة أجرة مينيبوس، خصوصية إلى العُنوان المطلوب. هكذا حصل بالفعل يوم الأحد الموافق للثاني عشر من الشهر نفسه إذ وصلتني الحقيبة "ساغ سليم" وكان بجانبها العديد من الحقائب الأخرى ذات نفس المصير وكان أصحابها ينزلون في فندق جليلي بالقرب من عاصمة الجليل، كفرياسيف


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى