الثلاثاء ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم ريمون جرجي

احتضار المشهد الثقافي

يعاني المشهد الثقافي لدينا من مشاكل عدة أمام تغلغل عادات اجتماعية جديدة كنا دائماً نُشَهِرُ بها وننتقدها، كضعف التواصل العائلي وانقراض مفهوم أهل الحارة الواحدة وقلة الثقافة العامة، كما يعاني المشهد لدينا من عولمة العادات الاجتماعية وفساد مضمون الفضائيات العربية وطغيان المصلحة الشخصية، مقابل ازدياد مظاهر التشدد الديني بين الناس، نتيجة لأسباب وظروف اجتماعية متعددة.

كما يشوبه الكثير من التصرفات والعادات التي ترقى لأن ندعوها بالظاهرة السلبية كنتاج رئيس عن اتساع رقعة الأمية الثقافية، وعدم مواكبتها للتغييرات والتطورات العالمية، فنبدأ بجلد الذات بسبب احتضار المشهد الثقافي الذي نلمسه ونكافح للقضاء عليه بطرق قاصرة ووسائل بدائية وتمويل هزيل مع ضعف قدرة الإدارة وعقلية القائمين عليها، بحيث لا تتم مساءلة الكثيرين عن الأهداف المرسومة والنتائج المحققة والمقارنة بينها.

أمثلة واقعية عن المشهد الثقافي:

من الطبيعي أن ترن أجهزة الموبايل في أية محاضرة ثقافية تقام هنا وهناك، مطلقة العنان لنغمات وأغاني شتى تعبر حالة هستيريا النغمات التي تختلف درجات صوتها من شخص إلى آخر، وكثيراً ما يرّدُ أحد الحضور على مكالمة واردة له بصوت عال مزعج ومقلق للحضور ضمن سياق المحاضرة، وغالباً ما لا ترقى تلك المكالمات لظرف طارئ بأي شكل من الأشكال.

عندما يكون مدير دائرة كبرى في المحافظة هو أحد ضيوف ندوة ثقافية(بحسب أوراق الدعوات المعلنة والموزعة)، وعند بدء الندوة يغيب المدير ويحل نائبه مكانه (مع كل الاحترام والتقدير لشخص النائب)، ولكن دون أية إشارة لسبب الغياب أو التنويه عن الاعتذار للحاضرين، فيبدو عدم الاكتراث بهم (عليكم أن تسمعوا ما سيقال لكم وإياكم أن تتساءلوا! فطالما أننا اخترناهم فعليكم أن لا تتذمروا.

عندما يتم حشر شخص ما للمشاركة في أحد الندوات وهو لا ناقة له ولا جمل في آداب إلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات أو في أساليب الطرح والحوار والالتزام بالوقت، (كأن تأتي بحاملة ماجستير في الاقتصاد والمصارف لتشارك في ندوة عن هموم تربوية لتتكلم عن دور المرأة في التربية مع أساتذة وموجهين تربويين فتأتي بصفحات كثيرة من الكتب الأكاديمية لتقرأها أمام الحضور ولتكتشف هي معهم بأنها لم تطرح فكرة هامة مترابطة ولم تضف أية معلومة جديدة، وهذا ليس ذنبها بل ذنب الذين حشروها في الندوة.

عندما يتأخر مدير الندوة ومعه المشاركين فيها عن الدخول إلى صالة المحاضرة لأكثر من ربع ساعة عن موعدها دون مراعاة للحاضرين الذين حضروا على الموعد ودون الاعتذار منهم أو توضيح السبب فهذه بدعة، ولكن أن تنسحب هذه البدعة على أغلب المحاضرات الثقافية الأخرى، دون الإشارة لها، كما النعامة التي تدفن رأسها في الرمل، فهذا كفر ثقافي..

عندما يكون المحاضر قادماً من محافظة أخرى ويذهب إلى الفندق المفترض للمبيت فيه، فيكتشف بأن لا حجز له ولا من يحزنون ويتدارك الأمر متصلاً بالأٌقارب لتدبير مكان المبيت في اللحظات الأخيرة ما قبل المحاضرة، فهذا عيب وسوء ترتيب (حتى ولو تزاهد المحاضر وتقبل الواقع المرير).

عندما تفشل إحدى الجمعيات (والتي يزيد عدد المنتسبين لها على المئات) في حشد 20 شخص على الأقل، لحضور محاضرة ثقافية مختصة تنظمها إدارة الجمعية، بينما يقتصر الحضور على 11 شخص بمن فيهم 3 من الإدارة 3 من الصحفيين و2 من إدارة المركز الثقافي والمحاضر فهذا يعني بأن شخصين فقط حضرا المحاضرة، (ولا علاقة للظروف الجوية!!).

عندما تتضمن اغلب عناوين المحاضراتن بكلمة تاريخ (تاريخ العلاقات... تاريخ التجارة...، تاريخ...) فنتعرف حينها بأننا نُبرع في الحديث عن التاريخ ونخشى الحديث عن المستقبل، وهنا الطامة الكبرى.

عندما يقف أحد المثقفين أمام قاعة مليئة بالحضور للتحدث والمداخلة ممسكاً المسباح بيده محركاً إياه جيئة وذهاباً تبعاً لتواتر المداخلة، وعندما تجلس على كرسي لحضور محاضرة ما، ويستمر أحد الذين يجلسون بقربك في التحدث والتهامس أو دحرجة حبات المسبحة بأصابع اليد وكأن صاحبها جالس في مقهى أو على ضفة نهر عابر.

عندما يمارس مدير ندوة ثقافية الاسترسال في الحديث والشرح فيناقش الظواهر ويعطي الأسباب ويقترح الحلول وكأنه هو المحاضر بينما يجلس المحاضر إلى جانبه في وضع لا يحسد عليه أبداً أمام أنظار الحاضرين.

عندما يقمع مدير ندوة أصحاب المداخلات وطارحي الأسئلة ويبدأ بالإجابة على أسئلتهم من تلقاء نفسه وكأنه العليم الفهيم بما له من السلطة والصلاحية فكيف لا وهو مدير الندوة!!!، فيُسكتُ من يريد! ويسمحُ لمن يريد بالاسترسال في الحديث حتى ولو كان يتحدث عن موضوع محاضرة أخرى !!.

عندما يبدأ المحاضرون بالرد على أسئلة الحضور فتبدو أجوبتهم وكأنها محاضرة جديدة بحيث يندم السائل على طرح سؤاله، فيشعر المحاضر حينها بأنه كنز ثقافي كبير.... وبنك للمعلومات مثير.

عندما يتأخر الوقت ويبدأ الحاضرون بالانسحاب والمغادرة اثناء اصرار المحاضر في الحديث والنقاش دون مراعاة الوقت ودون الاكتراث بأن السائلين يغادورن دون سماح الردود بسبب تأخر الوقت.

عندما ينام أحد الجالسين في الصف الأمامي من أية محاضرة (نتيجة ضعف المحاضر في جذب الانتباه واعتماده على القراءة البحتة)، ودون أن يُعدل من أسلوبه ودون أن يبتكر نمطاً جديداً للحوار والتفاعل مع الحاضرين الذين يُفترض أنهم من المهتمين!!.

عندما يرد أحد المتنادين على مداخلة أحدهم بطريقة استفزازية وقمعية فيها عدم احترام الرأي الآخر(مهما كان رأي السائل)، فهي تُعبر عن ضحالة القدرة وضعف الخبرة.

يا جماعة، يا أهل الأدب والثقافة والإعلام، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فكما قال بلزاك "فكروا فيما سيكون عليه شعوركم في الغد.. فالأمس قد مضى.. واليوم يوشك على الانتهاء".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى