الاثنين ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم بسام الطعان

سقوط من أعالي الحب

حكايتكِ المزعجة، يا لها من حكاية، ابتدأت بإعجاب ونشوة وغريزة، وانتهت بآهة تتبعها آهة، وآه منك.. كيف سمحت لمثل هذه الحكاية أن تبدأ بهذه الطريقة ؟ كيف..؟ كـيف..؟ فأنت كنت كاملة مكملة، جامعية، جميلة، ذكية كما قالوا، فلماذا بدوت أمام الغرائز مثل مزهرية سهلة للكسر؟ والآن وبعد أن انكسرت وانكسر حلمك الشهي، ماذا بقي لك غير الانتظار والخوف من الأيام؟ ومهـما فعلت فلن تسمعي غير ارتداد صدى الندم الذي لا يشبه الندم.

على مائدة الصباح، التقيت به في بيت أختك المتزوجة من ابن عمه، حيث جاء ليقضي عنده يوماً أو يومين ريثما ينهي أعمــاله في العاصمة، وكنت تسكنين مع أختك وتتابعين دراستك، وشيئاً فشيئاً ارتسمت صورته في أقصى حنينك.
حنين.. أي حنين هذا الذي ولد دون طلق أو مخاض؟

كان يكبرك بثلاث سنوات، جميل الوجه، ممتلئ الجسم، وناجح في عمله، ولم يخطر في باله أبداً، أن يحصل ما حصل، وبعد الذي حصل، من المسؤول يا ترى؟
مساءً، اضطرت أختك أن تخرج من البيت برفقة زوجها لزيارة أحد المرضى، وبقيتما وحيدين في بيت موصد الأبواب، أنت في غرفتك ، وهو في الصالة يتسلى بمشاهدة التلفاز، وهنا ابتدأت الحكاية من مهرجان تردد ، وكان عليك أن تخترعي أبجدية للخروج إلى الصالة. كنت بارعة في الاختراع، ومهرجانك لم يدم سوى دقائق قليلة، ارتديت قناعاً جميلاً وخفيفاً، صففت شعرك ، تعطرت، فتحت ثغرة كبيرة في جدار الخجل، وخرجت كعاشقة تبحث عن وليفها الذي تأخر مجيئه.

أدهشه حضورك المباغت والجميل، رأى فيك قمراً يمتد شـعاعه إلى المدى، فدعاك للجلوس وتفرغ لك، استجبت ونثرت عليه الابتسامات، ودار بينكما الكلام، شيء من الثرثرة والأسئلة التي لا هدف لها إلا الحديث، ثم جاء الإعجاب، والمديح، والنظرات التي تشبه شهاب يفضح الظلام.

لم تعرفي حياء الأنثى، وإنما عرفت كيف تدخليه إلى بساتينك الملونة. طاب له المقام فيها، فأخرج من جيب ذاكرته كلمات رائعة مثل نسيمات صباح ونثرها فوق أذنيك، فتدفق الفرح من عينيك وتحولت إلى يمامة تطير نحو السهوب، عندئذ مدّ يده طالباً ملامسة يدك، فشعرت بميل نحوه، زنرتيه بنظرة حنونة وبيد أكثر حنانا ً، لحظتئذ أمسك بيدك وعصرها بحنان وهو يشرب من لون عينيك. قرأت في عينيه رسائل حب لم تقرأ في دفاتر العشاق، فلم تسحبي يدك وذبت في الصمت والدفء الخلاب.

ويا أم الكرم والجود، بعثتيه إلى آخر حدود الرغبة، وتركت نظراته تمددت في منعطفات جسدك، وحين رسمت في آفاقه مواويل من مزن بنفسجي، قرأ لك أسفار عشقه والتصق بك، قرَّب وجهه من وجهك وأراد أن ينهل العسل، لكنك فجأة رجعت برأسك إلى الوراء كما لو أنك تحمين الشفاه المرتجفة من العناق، نهضت ووقفت منتصبة القامة في وسط الصالة، أدرت له ظهرك والنار متأججة بين ضلوعك، وكانت الساعة تجاوزت الثامنة بقليل.

رآك بهية مثل وطن، نقية مثل نبع، وغالية مثل روح، ويا لها من مسافات عناق، صارت على بعد خطوة خطوتين، أو ثلاث خطوات على أبعد تقدير، اقترب منك، فرأى ضوءاً أخضر ينبعث من عينيك وشفتيك فلم يحتمل الضوء المبهر، خبأ أصابعه في شعرك، لمس خديك، ثم هوى بك رويداً رويداً نحو الأريكة، وحين سافرت إلى عالم بديع وشهي، تلاعب بأزرار ثوبك، شم الفراغات في سهول ووديان وجبال جسدك، وبعد دقائق كانت ثيابه وثيابك كلها مرمية على السجادة مثل مروج ملونة، وما أحلى فراشات اللذة التي كانت تطير من عينيك وشفتيك وشعرك الخرنوبي.
كثير من الأشـياء لا ندرك قيمتها إلا حين نفقدها، وأنت فقدت كل شيء ولم تفكري في النهاية وكيف ستكون. جفت ينابيع النشوة وانتهى الغرام والكلام، فارتدى ثيابه على عجل خوف افتضاح أمره، واستعد للسفر دون أن يودع ابن عمه أو ينجز أعماله التي جاء من أجلها. ويا لك من شجاعة، ارتديت ثيابك بهدوء، عدلت شعرك المبعثر وكأن شيئاً لم يكن، وبلسـان فصيح طلبت ألا يتأخر ويأتي لخطبتك.

ذاب في أحضانك من جديد ونهل من أنفاسك، ثم وعدك أن يرسل أهله إلى أهلك في وقت قريب وخرج.

صعد إلى الحافلة متجهاً نحو مدينته البعيدة ، وعلى الطريق السريعة اسـتعاد الشريط الجميل من أوله إلى آخره، كرره مرات ومرات حتى عاشره الوسـن، أسند رأسه إلى مسند الكرسي وجسدك بكل طعمه ولذته يتراءى له، وجه مثل الضحكات والورود والقصائد والبلابل، وبينما كان غارقاً في النوم، اهتز فجأة وتمــــايل ثم انتفض، وبعد صرخة واحدة منه، وصرخات كثيرة من الركاب، كانت العذابات وكان الصمت، وأنت يا يمامة، كنت لا تزالين تحلقين في أعالي الحب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى