السبت ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم
أناتٌ من خلفِ القضبان
أمّاهُ أكتبُ مِن لظى زِنزانتي | ||
ومِنَ القيودِ وظلمةِ الجُدرانِ | ||
أشكو إليكِ حبيبتي مُتَشوِّقاً | ||
للدفءِ والصدرِ الحليمِ الحاني | ||
وأَبُثكِ الأشواقَ مع عِطرِ الصَّبا | ||
في كلِّ صُبحٍ مُشرقٍ رَيانِ | ||
أمّاهُ تكتحِلُ العيونُ بنظرةٍ | ||
في مُقلتيكِ وسِحرِكِ الربّاني | ||
وأراكِ في الأحلامِ بل في يقظتي | ||
مثلَ الملاكِ بحُلّةِ الإيمانِ | ||
وأكادُ أسمعُ دقّةَ القلبِ التي | ||
نبَضَتْ وألمسُ دفقةَ الشريانِ | ||
" يُمّا " حبيبي قد رفعتَ رؤوسَنا | ||
حتى السماءَ وفي ذُرى السُّحبانِ | ||
فاصبرْ حبيبي إنّ فجرَكَ قادمٌ | ||
والظلمُ مع أهليهِ حَتماً فانِ | ||
اللهُ يا أمّاهُ إنْ أضنى النوى | ||
قلباً وأنهلَهُ أسَى الهجرانِ | ||
فيَبيتُ تعركُهُ الخطوبُ وتحتمي | ||
فيه الهمومُ ولوعةُ الأحزانِ | ||
فالليلُ يا أماهُ ناءَ بكَلكَلٍ | ||
قد أثقلَ الأبطالَ من إخوانِي | ||
في كلّ يومٍ يسلبونَ كرامةَ ال | ||
أحرارِ بالتفتيشِ والحرمانِ | ||
قد صادرُوا حتى الهواءَ ولم يزَلْ | ||
رمقٌ بهاتيكَ القلوبِ يُعاني | ||
فالموتُ أهونُ من حياةٍ صُودِرَت | ||
منها الحياةُ وعِزّةُ الإنسانِ | ||
فقد افترشتُ الأرضَ في زنزانةٍ | ||
صُغرى ووخزُ نُتوئِها أدماني | ||
يتشابهُ الليلُ الطويلُ وصُبحُها | ||
حتى نسيتُ ببابها ألواني | ||
وشمَمتُ رائحةً تهبُّ كريهةً | ||
كالموتِ للدمِ ناهمٍ ظمآنِ | ||
وجلستُ وحدي والحتوفُ تحيطُ بي | ||
من كلِّ صوبٍ مجرمٌ أو جاني | ||
والقيدُ حتى القيدُ أنَّ بمعصمي | ||
وشَكَا لحالي السجنُ من سجَّاني | ||
وتألمت حتى الحجارةُ إذ بدت | ||
غَرقى بدمعِ عيونها أشجاني | ||
والنجمُ حارَ وقد تجلّى همُّهُ | ||
بأنينِهِ في ضيقِهِ الوَسنانِ | ||
والبدرُ في الآفاقِ أحزنَهُ النوى | ||
فبدا كئيبَ الوجهِ كالحَيرانِ | ||
وأبَيْتُ إلاّ أن أعيشَ مُكَرَّماً | ||
رغمَ الحديدِ وقسوةِ القضبانِ | ||
آمنتُ بالوطنِ الجريحِ وأمّتي | ||
وكفرتُ بالأعداءِ والخِذلانِ | ||
إني أذودُ عن الثرى وكرامةٍ | ||
مسلوبةٍ مِن أمّةِ العُربانِ | ||
وأذودُ عنكِ حبيبتي، عن أمّتي | ||
عن عرضِها عن طُهرِها الفتانِ | ||
ويلوذُ بي الصمتُ القتيلُ وأتقي | ||
شبحَ المنايا والردى بلساني | ||
بالجوع قاومتُ العدوَّ ومِن دَمي | ||
أشعلتُ نفحةَ، والإبا عنواني | ||
من عسقلانَ إلى مجدُّو ما انحنتْ | ||
هامُ الفدائيِّ العظيمِ الشانِ | ||
فرؤوسُنا فوقَ الجبالِ، ودونَها | ||
الأوغادُ في الأوكارِ كالجرذانِ | ||
نحنُ الذينَ تناقلَتْ أخبارَهُم | ||
هوجُ الرياحِ وصولةُ الركبانِ | ||
ذكرى تناقلَها الزمانُ، فمِن أسىً | ||
الأيامِ ننزِعُ فرحةَ الأوطانِ | ||
بالجوعِ نكتبُ للشعوبِ مفاخراً | ||
يهذي بها القاصي، ويحيا الداني | ||
تأبَى الإرادةُ أن نَذِلَّ وأنْ تلي | ||
أمرَ الشعوبِ وطاوطُ الغيرانِ | ||
إصرارُنا فوقَ العتاةِ وشعبُنا | ||
ضربَ المثالَ بحومةِ الميدانِ | ||
سَجِّلْ أخي و اصرخْ رفيقي، فالرّدى | ||
شرَفٌ يسطّرِهُ دمُ الشجعانِ |