السبت ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم جمال عبدالرحيم

بلا حبيب

تمتمت "علا" لنفسها: " معنديش حبيب "..

وعكفت على لوحتها ترسم عشاق"النيل"..

كانت أمها تراقبها وهي ترسم فهمست من خلفها :" إنها رائعة"..

ولكنها لم تسمعها. فهي صماء تجيد قراءة الشفاه والعيون والأحاسيس..مرهفة المشاعر ترى ما لا يراه غيرها و تخط رؤيتها في رسوم بديعة.

كانت تمتعض كثيرا من الذين يظهرون الشفقة لها لأنها معوقة في سمعها. فهي لم تعرف السمع منذ ولادتها. فكيف لها أن تفتقر لشيء لم تعرفه طوال حياتها..

ومنذ صغرها كانت "علا" مولعة بكل شيء مرئي ومكتوب..فقهرت إعاقتها، فتعلمت القراءة، والكتابة، وحتى النطق. وبهرت الناس حولها عندما أبدعت الرسم..

كانت كبرى أخواتها تقترب بحماس من عامها الرابع والعشرين. درست علم الحاسوب ولكنها لم تحظ بعمل كما تأملت. كظمت خيبة أملها، ورجعت تزاول شغف الطفولة من جديد.والتحقت بكلية الفنون الجميلة حتى تصقل موهبتها التي حباها بها الله.

كانت كل يوم تعبر بها الحافلة فوق النيل وهي عائدة من الجامعة المجاورة له إلى بيتها في أقاصي المدينة. و كانت ترى العشاق على ضفاف النهر فتتراشق في داخلها الأحاسيس..
فهي غير معوقة عاطفيا ..فلها قلب وعاطفة قوية.ولكن كم من مرة خفق قلبها لشاب وسيم فأعقبها كآبة عندما علم أنها صماء، فاعرض عنها، وبادلها الإعجاب بالشفقة!

لم يبق من اللوحة إلا القليل..

خلطت بعض الأصباغ. وتوقفت هنيهة تتأمل ما رسمت ثم ابتسمت لنفسها ابتسامة رضاء ثم تابعت تطلي على القماش بريشتها.

شعرت أمها أنها غارقة في عالمها فجلست تراقبها .

ولما انتهت قامت إليها ووضعت ذراعها على كتفيها وكررت: " إنها رائعة. أشعر أنك معهم في اللوحة ".

قرأت شفاه أمها فضحكت. قبلتها أمها فدفنت رأسها في صدرها. وتمتمت " أنا مع عشاق النيل؟ لكن كيف بدون حبيب؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى