الاثنين ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم أحمد نور الدين

ليلة الانتقال

قالت الفتاة للمعلمة بحدة:

 ما هذه الورطة التي أوقعتني بها؟

فقالت المعلمة:

 وما كان أدراني بحالك؟

فردت عليها بغيظ:

 كان عليك أن تسأليني قبلا، ألست صاحبة الشأن أم ماذا؟

ووجدت نفسها تدفع الى الغرفة دفعا.

قال لها بحماس:

 هيا إخلعي ثيابك بسرعة!

فقالت بصوت خفيض:

 حسن، سأفعل.

ولكنها ظلت على حالها من الجمود. فقال لها بصبر نافد:

 ما بك تقفين كالصنم؟ هيا إخلعي ثيابك.

ورفعت يدها الى بلوزتها لتخلعها لكنها جمدت فجأة. وهو يحدق فيها بهدوء ينذر بقدوم العاصفة. ودام الصمت للحظة.
اندفع نحوها فجأة يريد أن ينفذ المهمة بيديه لكنها انتفضت وابتعدت عنه وقد ندت عنها كلمة: "لا". وجمد هو في مكانه مندهشا محيرا.

قال لها:

 طالما جمعت بيني وبين زملاء لك ليال طوال. عاشرت الكثيرات حتى أنسيت ألقابهن ووجوههن وروائحهن. وبعد كل هذه الخبرة الطويلة تأتين أنت لتثيري عجبي. ما بك يا غاليتي؟ تصرفك يدهشني حقا! ما هو الخطب يا ترى؟

فسادت لحظة من صمت التردد قبل أن تقول له:

 بصراحة.. لا أعرف كيف أشرح لك..

فقال متساءلا:

 هل هذه أول مرة؟

 نعم!

 هممممم.. الآن فهمت..

وضحك ضحكة قصيرة لعله قصد بها أن يخفف من إرتباكها وحيائها. واقترب منها خطوتين وهو يقول:

 لا داع للتردد أو الخوف، فلست وحشا سيلتهمك. حسونة معلمة ذات خبرة وسوف تعلمك الكار على أصوله.

ثم ضحك مجددا وقال:

 ومن خبرتي ستستفيدين كثيرا، لن تكون هذه ليلتك الأخيرة معي، سوف أشجعك وأدعمك لتصبحي أشهر مومس في الحي كله!

ثم أضاف دون أن يفسح لها أي مجال لترد عليه:

 كلكن هكذا في البداية.. لكن بعد عدة ليال تصبح المهنة لديكن هواية..

وقال بصوت مغر:

 هل شممت رائحة الفلوس؟

ثم أخرج من جيبه ورقة نقدية وعبث بها ليسمعها الحفيف.

ولكنها قالت له بصوت ضعيف:

 أنا بترجاك يا معلم، يبدو أنك خواجة وقلبك كبير، خلصني من هالقصة، أنا ما إلي بهالشغلة كلها.. وبعدين حسونة أجبرتني ولعبت بعقلي.. أنا عندي أهل واذا حدا منهم عرف بقطعني.. الله يوفقك اعتقني..

جلس الزبون على طرف السرير ولبث متفكرا للحظات.. ثم قال لها:

 خلص، لا تهتمي.. بعد ربع ساعة بطلع من الغرفة كأن القصة تمت بسرعة.. ولو إني خايف يقولو المعلم فؤاد صاير قلبو ضعيف وبيعملها بسرعة..

وبعد أن انصرف الزبون بدلت الفتاة ثيابها بسرعة، فارتدت فستانا طويلا، وسرحت شعرها وبخت على جسدها عطرا.
وخرجت بعجالة من البيت الذي قررت أن لا تعود إليه بعد اليوم. فكرت في نفسها وقالت هنا ذل وهناك ذل، والثياب تخلع مهما حصل، فليكن الثمن

محترما ليغطي على رائحة الأفواه الكريهة ويعوض عن الكرامة المهدورة. ومشت بخطوات رشيقة وسريعة، وسط الظلام الساهر، باتجاه السيارة الفخمة التي كانت بانتظارها في مخرج الحي. وصعدت فحياها السائق بابتسامة وقال:

 المعلم ينتظرك في السراي على أحر من الجمر.

فرقصت روحها للمجد القادم والثروة المأمولة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى