الاثنين ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٤
بقلم سليمان نزال

مغامرات شجرة..

تبدو أصغر من شقيقاتها ببضعة مواسم و فصول..مع أن وقت الغرس يشير إلى أن جذورها سبقتهم في تراب الحقل بثلاث سنين..مما جعلها تختال...و تقف معتزة بما تحمل من أغصان قوية و فاكهة لذيذة..

في الموسم الماضي, لاحظَ صاحبُ البستان..أن شجرته المتعجرفة أخذت تطرح ثماراً غريبة الشكل..سفرجلية الطعم..فإهتم بإمرها و خصها برعاية إستثنائية..و أخذَ يستجيب لكل مطالبها..رغبة منه في أن تعود إإلى سابق ثمارها الحلوة.. و حضورها البهي..

و أخذت تنتحل الأعذار و تترك الحقل و تمضي إلى جهات مجهولة..و لا تعود إلى مكانها إلا في آخر الليل..ذابلة الأغصان..صفراء الجذع..مهتزة الأوراق و الفروع..و كان صاحبها الفلاح, طيب القلب, لكن العنيد و المثابر..يجمع ما تساقط منها من أغصان و أوراق. و سيرة كانت معطاءة..من على الطرقات و في دروب التيه و الزوغان. ثم يعيدها إليها دون أن تشعر.

لاحظَ أن المحصولَ بدأ ينقص شيئاً فشيئاً مع كلِّ عام و قطاف..

بدأ الفلاحُ يعاتبُ الشجرةَ المشبوهةَ..ثم شرعَ في مراقبتها.. و إكتشفَ أنها تمضي إلى أحد الأودية السحيقة المظلمة.. بعد أن تقطف بنفسها ثمارَ الشجراتِ القريبة, و تقدمها إلى ساحرة شريرة عجوز..

لم يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد التفريطي..إلى علاقة مع شريرة , تتحول ساعة إلى دبابة و ساعة أخرى إلى طائرة وحشية..و أحيانا إلى عاهرة بأسنان مرعبة..

كانت التهمة ثابتة على الشجرة, التي توقفت حتى عن طرح السفرجل الغريب..

نهض مبكراً كعادته في كل فجر.. إعتذرَ من بقية الأشجار و المزروعات النشيطة, لأنه لم يكن يستمع إلى التحذيرات و النصائح..إبتسمت الأشجارُ و أخذت ثمارها تكبر و تنضج أمام ناظريه..

كانت الشمس قد أصبحت في كبد السماء.. حين نهضت الشجرة الخائنة من نومها..سكبت بعض المياه على وجهها..ثم وقفت أمام المرآة تصلح وضعَ أغصانها المهلهلة.. و حين إنتهت من زينتها و من تثبيت مكياج التحايل.. و بدأت تستعد لسرقة أخواتها و الإنطلاق إلى الوادي..فوجئت بجذورها تتركها..

كانت ضربة الفأس تنزل, صاعقة, حاسمة..

بعد أن فرغَ الفلاح من مهمته..إنطلقَ إلى وادي الساحرة الشريرة..لم يجد سوى بعض آثار التلاشي و الإندحار و بعض الأوراق المهزومة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى