الأحد ٢٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم إبراهيم ياسين

سيزيف ومربع سكر

جلس كعادته في ركن مكين من أركان المقهى، جلس على كرسي بلاستيكي، وهل من الممكن أن يجلس على شيء آخر؟ طلب قهوة سوداء... انتظر لحظة، ألقى بمربع سكر... حركه... ألقى مربعا ثانيا، وثالثا... حرك السائل الأسود، استغرق الأمر عدة ثوان، قال في نفسه: لابد أن أغير... التغيير أمر ضروري، أمر قد يكون مفيدا وقد لا يكون، لكن ما الضرر في أن أغير وأجرب؟ هكذا قال لنفسه ذات يوم، ماذا سأخسر لو جربت؟ التغيير سيكون جذريا هذه المرة، مائة وثمانون درجة... الشرق يصبح غربا، والأعلى يصبح أسفل... فكر، خطط، قلب الأمور... حللها، درس الخطة... قدر التكاليف... تخيل النتائج... وبعد أن فكر كالذي فكر، وقدر كالذي قدر، نظر...

عبس وبسر، وقرر أن يغير، حرك الملعقة يسارا، هاهي الملعقة تدور، والقهوة تدور، باستثناء الكأس، كل شيء يدور، أصابعه، الملعقة، القهوة... كلها تدور، وعلى عكس عقارب الساعة... الحمد لله، أمكنه أن يغير اتجاه حركة القهوة، تذكر خوفه الذي لا معنى له... تردده الذي لا مبرر له... لم يكن يتصور أن الأمور بهذه البساطة، الخوف مرض خبيث... التردد عادة سيئة، أن يحقق الإنسان إنجازا ـ ولو كان صغيرا ـ أمر محمود، وطريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فخطوتين فثلاث خطوات... العجلة مرتعها الندامة، والتغيير الصغير يحدث فارقا كبيرا، كما تعودنا من أصحاب البرمجة اللغوية أن يزعموا، تذكر عقرب الساعة الحزين... أشفق لحاله، أحس بحالة من النشوة، إنه لأمر ممتع أن يكون بيدك أن تحرك أولا تحرك، تحرك يمينا أو تحرك شمالا... تحرك أصابعك فتتحرك الملعقة والقهوة ثم السكر... لا بأس ألا يتحرك الكأس، من لا يتحرك لا يتغير، ومن لا يتغير يكون مصيره الموت، الفناء... تذكر وضعيته المادية، ظروفه العائلية، حالته الصحية... صرخ بصوت سمعه كل رواد المقهى... فليذهب كل شيء إلى الجحيم... ما دمت أنا القادر على التحكم في مصير السكر، أقرر أن يذوب أو لا يذوب... فليذهب الحاضرون والغائبون جميعا إلى الجحيم...

وقبل أن يغادر المقهى نطق بحكمة بالغة: الآن عفوت عن المربع الرابع من السكر... أو ليس هذا تغييرا؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى