السبت ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم بسام الطعان

ضفاف الحلم

كالمزن الجليل كنت يا"كريمة"وأنت تحلقين في الأعالي، تطيرين فوق السهول والبوادي، تعبرين الجبال والبحار والحدود، وهناك في مدن أفريقيا وغاباتها، طاب بك المقام، أما أنا فبقيت وحيداً في مدن الغياب، أتسكع في الشوارع وأرافق الأوقات الضائعة حيناً، وحيناً أدخل في مفازات الضجيج، ولكني لا أنسى النائمة في الوجدان.

وآه يا"كريمة" كيف تبعدين المطر عن الغيم؟ هل تتذكرين حين تغيّر سلوك الدم فينا ماذا فعلنا؟ وحين ترعرع بين حنايا ضـلوعنا ما يشبه الحب كيف صرنا؟ وأظنك ما نســيت كل جلساتنا الطويلة فوق ضفاف الحلم، حيث كنا نجلس على رمل ناعم، نسـتمع لعذب الكلام، نكدس الأحلام فوق بعضها، ننظر الى بعضنا نظرات لا تشبه إلا الربيع، ونشرب نخب فرحنا، لكننا أبداً لم نرتو.

عند المغيب تماما، صنعنا زورقا من باقات الورود ، أودعنا فيه أطنان الحنان، ومع هدأة الليل، سافرنا في بحر الخيال، وكان الحلم ثالثنا، والحب الصافي رابعنا.

ويا له من بحر، كان هادئا على غير عادته وكأنه متواطئ معنا، وكنا أنت وأنا، نغسل الموج الذي بدا لنا بفرحنا، ثم رحنا نتهامس، نتضاحك، نتعاشق، وننهل من العسل المنتشر من حولنا، وآن اشـتقنا الى النوم، ومددنا فراشنا الوردي، تغيّر البحر كلياً ويبدو أنه غار منا، تخلى عن هدوءه، وما لبث أن تلاعب بزورقنا، وسمح للموج أن يأخذنا بعـيداً، ويلقي بكل منا على شاطئ لا يعرف الآخر، وعلى الشاطئ الغريب ناديتك مرات ومرات حتى بح صوتي.

ويا ملاكي، منذ تلك اللحظة وأنا في النهار لا أرى نفسـي إلا في البحر، أو على الشاطئ، أنادى وأسأل عنك الرمل والطير والشجر، وفي الليل ومع الويل، أنام باكراً ليس من التعب، وإنما كي أحلم بك، وأحلم، وأحلم حتى الاستيقاظ.

البارحة، أعني البارحة تحديداً، حلمت بك أربع مرات، ولم أجد تفسيراً لهذه الأحلام، في الحلم الأول كنت واقفة فوق جزيرة صغيرة وسط بحر متلاطم الأمواج، ومن حولك عشرة تماسيح شرســة، ولم تكوني خائفة، وكنت تنادين باسـم جميل وتكررين النداء، وفي الثاني رأيتك تركضين في حقل أخضر، بجدائل من ذهب وبخلخال يملأ رنينه الكون، وتكركرين بعذوبة، ومن خلفك شـخص يركض نحوك لم أتبين ملامحه، من كان يا " كريمة " ؟ وفي الثالث رأيتك جالسة بأريحية فوق قرص القمر في أوائل المساء، ترتدين ثوب الزفاف الأبيض، لكنك كنت تحملين بين أصابعك الطرية باقة من الورود السوداء وتبكين بحرقة، وفي الرابع كنا أنت وأنا... وحلمت بك ثلاث مرات في الليلة التي سبقت، وسأحلم بك خمس مرات هذه الليلة، وست مرات في ليلة الغد، وملايين المرات في الليالي القادمة، وهذا دليل على شوقي التاريخي، دليل على حبي الصافي، دليل على أنك لا تفارقين الذاكرة وتسكنين في الأوردة، دليل على قلبي الذي كتبته بعد الحلم الأول باسمك القدوس في المحكمة الشرعية، في البداية رفض القاضي ذلك، لكنني استطعت إقناعه بعد أن وصفتك له.

وأنت يا حلمي الأوحد، بعيدة كنجمة في سـماء تعج بالكواكب، أما أنا ففي كل صباح، أترنم مع (فيروز) وهي تشدو:" يا جبل البعيد خلفك حبايبنا.. بتموج متل العيد وهمك متعبنا"، ثم استجيب لرغبة القلب والروح والجسد، وأطير أبحث عنك في فضاءات صافية ، أعلن حبي لعينيك، ولليانسون الطالع من خديك، أطير ولا أعرف جوابا لسؤال القلب الحزين:" لماذا تحلم بها كل هذه الأحلام، ولا تحلم هي بك مرة واحدة ؟" وتكرر السؤال مئات المرات، لكن الكلمات كانت تموت في حنجرتي، وحين شاهدت عصـفوراً يزقرق فرحاً فوق غصن أخضر، عرفت الجواب، ناديت القلب فجاء مهرولاً معتقداً بأنك قد جئت إليه وإليّ.
قلت له وأنا أبتسم: إن الطيور تأتي إلى الأشجار، والأشجار لا تأتي إلى الطيور.
نظر إليّ وبدا محايداً، فتركته وتابعت الطيران بفرح ، لكنه لحق بي قبل أن ابتعد.
رأيت في الحقول، والبوادي ، والطرقات ، ومحطات القطارات والحافلات ، وعلى الضفاف ، والشطآن، والجبال، وبين الغابات، رأيت العشرات ممن يشبهن "كريمتي" ولكن يا "كريمة"هل صورة الكرز تغني عن الكرز؟ وهل للزبيب طعم كما للعنب؟

مسافات شاسعة تفصل بيننا، وشوقنا يشبه ميزان ، في الكفة الأولى ذهب خالص ، وفي الثانية أحجار كريمة ، فأيهما أنت يا "كريمة"؟

وها أنذا الآن، وعلى الرغم من كل هذه المسافات الكئيبة ، أبحر نحوك في زورق صنعته من رغبة جامحة، أبحر دون زاد لأن لا زاد يحيا أمامي وأنت بعيدة، أبحر مع أحلامي، والقوافي المشتعلة ، والمواويل المشتاقة، ولا أعلم متى سـأصل فانتظريني، هل تنتظرين يا كريمة؟ كريمـ..................ة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى