الاثنين ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٤
بقلم أحمد الخميسي

محطة الضبعة ومستقبل مصر

عام 1945 كتب العالم المصري الفذ الدكتور مصطفى مشرفة : " إن الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها" . وكان ذلك العالم العظيم أول من اكتشف إمكانية صناعة القنبلة من الهيدروجين ، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات قليلة في روسيا وأمريكا . وكان العالم الكبير يرى أن تطور الثقافة المصرية مستحيل من غير تطور العلوم وسعيها جنبا إلي جنب مع الأدب والسينما والمسرح والفن التشكيلي . وقد ترك مشرفة بحثا هاما عام 1933 عن مقاييس السلم الموسيقى ، وترجم قصائد لكبار الشعراء الإنجليز ، وأنشأ جمعية لتشجيع الصناعة الوطنية . ولم يكن مستغربا أن يتأسف طه حسين على رحيل مشرفة بقوله : " أمثال مشرفة قليلون .. إذا خسرهم الوطن فلابد من صبر طويل وانتظار متصل قبل أن نظفر بمن يخلفهم " . هكذا أيضا كان طه حسين يدرك عمق العلاقة بين العلم والثقافة ودور كل منهما في تطوير الآخر . وعندما تنشر الصحف عندنا أن هناك قرارا حكوميا بإغلاق المحطة النووية المصرية بالضبعة في الساحل الشمالي وتحويل الموقع لمنتجع سياحي ، فإنها تنشر قرارا بإغلاق ألف صحيفة ومجلة ، وتصادر حق المصريين في تحلية مياه البحر ، وتوسيع الرقعة الزراعية ،

وتوفير مصادر للطاقة الكهربائية ، علاوة على إهدارها للمال العام الذي يقدر بمئات الملايين من الجنيهات التي أنفقت على تأهيل ذلك الموقع في مرسى مطروح وإقامة بنيته الأساسية ودفع أجور العاملين فيه منذ عام 1981 إلي الآن . إن مصادر العالم من البترول والغاز الطبيعي في سبيلها للنضوب ، وما من سبيل سوى استخدام الطاقة النووية بديلا اقتصاديا وحيدا . لهذا تدافع إيران وكوريا وغيرهما بضراوة عن حق الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية لتوفير طاقة بديلة . وليس في مصر سوى مفاعل نووي وحيد في أنشاص ، لا ي! كفي احتياجات الصناعة الوطنية من لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر . ولا يحتاج إلي كلام دور تلك المحطات النووية في حماية الأمن القومي من الأخطار التي لا يفصلها عن حدودنا سوى أمتار قليلة . ولنتذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي صرح ذات مرة بأنه سيقصف السد العالي !

إن قرار إغلاق محطة الضبعة أمر يمس مستقبل الثقافة المصرية كلها ، ويهدد بقطع الماء والكهرباء بالمعنى المباشر عن ذلك المستقبل . من ناحية أخرى فإن تطفل وزارة السياحة على الموقع ( كأنما لم يعد للمنتجعات السياحية مكانا آخر ) يشكل بادرة خطيرة من فهم غريب لصورة بلادنا . فليست مصر في نهاية المطاف مجموعة من الشاليهات على شواطئ البحر ، ولا يتخيل أحد أن مستقبل شبابنا محصور في إتقان كلمتي " مرحبا سيدي " بالإنجليزية من أجل السياح . وما من دولة في العالم تخطط لمستقبلها الآن من غير أن تضع في خططها استخدام الطاقة النووية ، لأن ذلك يعني أنها لا تخطط لأي شئ ، سوى إفادة مجموعة من الأثرياء الجدد القادرين على تحويل مستقبلنا إلي مناضد صغيرة من الخوص وعدة شجيرات يلتقط السياح الصور بالقرب منها . إننا لا نطالب بتطوير الأبحاث في مجال الاستخدام السلمي للذرة ، ولا نطالب بإنشاء المزيد من المحطات ، لكننا نريد فقط ألا نهدر ما لدينا . ولا بأس من التذكير بما صرح به الدكتور عبد الفتاح بدوي ممثل مصر في البرنامج الدولي للتحقق من الأسلحة الكيماوية حين قال : " ترى ما حجم ميزانية البحث العلمي لدينا ؟ فلنقارن بين ما ننفقه وما تقوم إسرائيل بصرفه على البحث العلمي والتكنولوجيا ، ولن نجد وجها للمقارنة ".

هل يمكن للدكتورة نعمات فؤاد التي حمت ذات يوم هضبة الأهرام من البيع أن تولي اهتمامها لإغلاق محطة الضبعة ؟ وهل يمكن للأدباء والكتاب الكبار منهم والشباب أن يعتبروا أن أمرا كهذا جدير بالانتباه ؟ أعتقد أن الكتاب من الكبار والشباب سيظهرون شيئا من الاحتجاج الذي يظهرونه عند مصادرة رواية أو قصة أو عند تشدد الرقابة . ويثق الكثيرون أن لدي كتابنا ذلك الضمير الذي يعي أهمية الدفاع عن تطور مصر العلمي وحمايته ، ولديهم أقلامهم .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى