الثلاثاء ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم منى العبدلي

حلم في لحاف رث

لم يعد في القلب متسع لدفء، سلب هذا الليل وهو يلفظ آخر أنفاسه كل مظهر للحياة في مشهد وداع لساعات سهر مضن منذ أصبح الأرق رفيقي. وكالعادة قررت مع أول خيوط الفجر الجديد أن تكون تلك هي ليلة الأرق الأخيرة لأجدني في ليلة آتية مع محاولة أخرى للخلاص بلا جدوى، وعندها يتحول الصبح البعيد إلى عتبة حلم لا تطأها رغبتي في الخلاص، ونافذة محكمة الإغلاق ضاعت مفاتحها إلى حين.

لعلها المحاولة المائة وما زلت أتململ على فراش بارد وأنا أتأمل هذا الغافي قبالتي مفتوح الفم عن أنفاس لا يحسن استرجاعها بوقار، فيعزف بشخيره لحناً كئيب الحقيقة، ويغيّب بالضربة القاضية ظلال الحب الذي ما كان فيما مضى ليكون فيما سيأتي، وها أنا ذا أمارس دور شهرزاد المصلوبة على سيف جلادها مسرور، أنثر حكايا ألف ليلة حزن وليلة، وأترك لهذا الـ(شهريار) الغافي أن يريق دم حلمي، ويمحوني بنار رغباته معلنا تحول جسدي إلى رماد يشبه رماد دخانه الذي يحرقه انتصارا ونشوة. الملم نفسي على وجعها عبر اللحاف، وأحاول إغماض عيني والرحيل بعيدا، لكن الصداع لا يمنح إلا السكون، وضجيج الأفكار يشغل عقلي وروحي بالصخب. حاولت مصالحة الأرق بأكواب القهوة علها تمنحني بعض هدوء ذهني احتجته لأكتب، فحتى الحكايات تحتاج قربانا من وجع كي تمنحنا القدرة على سردها كما يجب، لن تهزمني صفحة بيضاء نسجتُ بخيوط الفجر حكايات ليلها الصاخب.

مازال رأسي منهكا ومحملا بالأرق ولا شئ يملأ بياض الصفحات، وما يصطخب في روحي لا يجد له طريقا إلى الورقة، وهاهي الصفحة البيضاء اللعينة ترمقني بعيون شامته وهي تنتظر تلك الفكرة التي تصر على البقاء كنص غير مكتمل. تتسع تلك الصفحة ويتمدد بياضها ليحاصرني من كل جهة فلا اسمع مع قسوة الحصار سوى تهشم أضلاعي، ولا أرى سوى بقع ألم تملأ بياضا أريد له يتلون بالكلمات.

تحسست ملامح وجهي على ضوء الشمعة الخافت مسكونة بشعوري أنني مختلفة، لقد خلقت لأكون أنثى مختلفة، أكره أن أكون فكرة لا وجود لها، وتاء تأنيث لا محل لها من إعراب الأخريات. لكن قد يحدث أن تتهاوى تلك القناعات أمام إصرار أنثى أخرى غافية بداخلي تؤكد أني مثل بقية قطيع الإناث في هذا الكون الفسيح. وتلك كانت أسوأ تجاربي وأكثرهن مرارة.

كيف يمكن أن تتغير حياتك لأن شيئا آخر شاء أن يتوغل في عالمك، آخر تكتشف عند التقاطع الأول معه أنك وهو بلا نقطة اتصال، اتجاه بوصلتكما مختلف. هو شيء معتاد وأنا امرأة يصهل بدمها الجنون. كنت اعتقد أن شيئا تقليديا مثله لن يغير حياتي، ومعه سأتمكن من ممارسة طقوسي المعتادة بلا مساس، لكن الشيء المسمى بـ(رجل) هزمني وبدا واضحا أنني سأبقى أسدد ثمن خطأي وسوء تقديري، وأن علي أن اعتاد فوضى وجوده في حياتي، وأن امضغ على مضض مرارة الشوق لحرية أصبحت أسيرة (الشيء) المعتاد والمألوف. أعود لأحدق فيه، والورقة البيضاء المحشوة بحكاياتي تزداد قتامة كسواد ذكرياتي معه.

تنكمش الورقة بين أصابعي ككرة مضرب وتستقر أخيرا في سلة المهملات بجوار أخريات أصابهن صداع الأرق، وغمغمت وأنا استسلم لنوم ربما يأتي متأخرا بجوار شئ استأثر بنصيب الأسد من اللحاف، ممنية نفسي بمحاولة أخرى في ليلة قادمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى