الثلاثاء ١٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم عزيز العرباوي

الجيلالي وكلبه

الجيلالي فلاح بسيط ومكافح، إنه مزارع جيد في حقول الأغنياء، وإنه من أسرة بسيطة ويعز عليه ترك أرضه وقريته والذهاب إلى المدينة حيث الحياة السائدة هناك هي الانحراف والفساد الأعظم، انحراف الإنسان عموما، إنه عاشق لقريته النائية البعيدة عن المدينة الكبيرة العصرية. بدا مؤخرا يستغرب لماذا تأخذ قريته لونا جديدا غير اللون الذي كانت عليه قرونا خلت. ويستغرب أكثر لما يرى فسيفساء المدينة تملأ قريته عن كاملها، عرف كل هذا وهو يرتاد بيوتها.

الكلب " بوبي " كما كان يحب أن يسميه لم يعد على حاله الطبيعي منذ أسابيع، إنه المرافق الوحيد له في حياته، فهو يعرف وفاءه العظيم لذلك كان يحبه كثيرا وكان يحقق له كل رغباته. وذات يوم أبيض حيث كانت الشمس حاملة في أشعتها قوة جبارة من الدفء والحرارة رجع الجيلالي من عمله بحقل أحد الأغنياء بالقرية مارا بحزام من الحقول المنتشرة على الطريق المؤدي إلى بيته. وعند وصوله إلى بيته البسيط الكائن في بقعة أرضية يتيمة ورثها عن أبيه، دخل البيت فسمع أنينا يصدر من داخله وأحس في الحين أنه صوت كلبه الوفي. ثم تعمق أكثر إلى غرفته التي ينام فيها ليلا فشاهد صاحبه الذي يتمرغ في وسط الغرفة ويتلوى من أثر الألم فأدرك أنه قد أصابه سوء ولابد له من أن يحمله إلى بيطري متخصص، وإذا هو يستعد لحمل المصاب إلى الطبيب إذ سمع طرقا على الباب. يبدو أن الطارق على عجل من أمره. فتح الجيلالي الباب وأخرج رأسه يطل على الرجل الذي حمله على تأجيل حمل كلبه بسرعة إلى الطبيب:

مساء الخير آ الجيلالي، كم مرة استعطفتك في أن تمنع كلبك من الاقتراب من كلبتي؟ يا
رجل،علمه كيف يحترم شرف الجيران ويضرب حسابا للعواقب.

بقي الجيلالي فاتحا فمه ولم يفهم ماذا فعل كلبه بكلبة جاره وكلن يعرف أن " بوبي " لا يقدم على
عمل كهذا مادام صاحبه يحقق له كل رغباته وطلباته المتتالية، ماذا فعل كي يعاقبه هذا الجاهل
لحقوق الكلاب بهذه الصفة البشعة؟ وهل يعاقب العاشق لعشقه العذري؟ هذا الجاهل يستحق السجن
لهضمه لحق من حقوق الكلاب المشروعة.

لم يجب الجيلالي على استفسارات جاره الجاهل وعاد إلى غرفته وحمل " بوبي " بين يديه وغادر
البيت متوجها إلى الطبيب.

وضع الجيلالي الكلب على طاولة مستطيلة أمام الطبيب لفحصه وكان الكلب ينبح بضعف ويتوجع
ألما يعتصر جسده. ولما انتهى الطبيب من الفحص وبشيء من القسوة خاطب الجيلالي:

كيف خولت لك نفسك أن تفعل به هذا؟ ما الذي فعله هذا الكائن الوفي ليستحق منك كل هذا؟.

وباستغراب شديد رد الجيلالي:

لم أفهم قصدك يا دكتور، أوضح، ماذا به "بوبي "؟ ماذا حصل له؟.

وبشيء من الحقد الدفين لم يبد عليه، قال الطبيب:

بعملك هذا قد أفقدته القدرة الجنسية إلى الأبد. العقاب لا يكون بهذه الوحشية أيها المجرم.

وبنفس الاستغراب:

أنا لم أفعل له شيئا. في المساء رجعت إلى البيت من عملي كالعادة، ووجدته على هذه الحالة فنقلته إليك مباشرة. لكن، تذكرت قبل أن أحضره إلى هنا جاءني جاري التهامي وهددني بمنع كلبي عن كلبته والتفكير في العواقب. فهمت، هو من فعل به هذا، هو من أفقده كل شيء. اللعنة عليك أيها الجار الخبيث...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى