الخميس ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم محمد متبولي

الجدران

محيت كل الصور من ذاكرته، لم يتبقى منها سوى صورة سجانه الذى يقدم له الطعام، وذلك الضوء البرتقالى صباحا والابيض ليلا يتسللان اليه من بين قضبان نافذة السجن، لا يتذكر متى دخل السجن، وهل كان ظالما ام مظلوما، وبأى تهمة، هل هو سارق، قاتل أم مجرد انسان ألقت به المقادير فى الظلمات، هل له عائلة، وان كان لماذا لا تسأل عنه، كم عمره، هل هو شاب فى مقتبل العمر أم شيخ موشك على الفناء، كم هى مدة العقوبة وكم امضى منها وكم تبقى، ما أسمه انه حتى لا يعرفه.

ينظر حوله فلا يرى سوى تلك الجدران، التى اصبحت تسكن داخله لا هو يسكن فيها، احيانا تتقارب تلك الجدران من بعضها البعض حتى تضيق عليه، وتضغطه بينها حتى يصبح رقاقة، تتباعد الجدران مرة أخرى فتحرك نسمة المساء الرقاقة لترطتم بالجدران وتسبح فى فضاء الزنزانة حتى تصل لقضبان النافذة، يخرج نصفها للهواء الطلق وبينما يستعد نصفها الاخر للحاق به تضيق عليه القضبان، تقسمه نصفين،

يسقط على الارض ويعود من جديد، حينها تتباعد تلك القضبان والجدران، تتعدى اسوار السجن وتنطلق فى تلك الصحراء الموحشة حتى تصل الى الارض الخضراء، حينها تلامس يديه الخضرة والماء، تتسع المسافة بين القضبان، يخرج ساعديه وساقيه ورأسه دون تجاوزها، يقرر تحطيمها، يوجه ضرباته بقوة، تهوى القضبان واحدة تلو الاخرى، تتسع الفجوة، تكفى للانطلاق فى الارض،

يقف غير مصدق انه سيعود للحياة من جديد، تلامس قدميه الارض، فجأة تعود القضبان الهاوية لما كانت عليه وتضيق الزنزانة من جديد، يسقط على ارضها، يضرب القضبان بعنف، يركلها بقدميه، يوجه لها السباب، يحاول ان يزحزحها بكتفه، وأخيرا يخبطها برأسه، يسقط مغشيا عليه، يدخل فى غيبوبة طويلة، تلفحه حرارة الشمس المنبعثة من بين القضبان، يصحو على أثرها ليرى السجان يقدم له الطعام، يسأل نفسه نفس الاسئله من جديد، ويتكرر ما كان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى