الثلاثاء ٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم عناق مواسي

في خانة إليك

بمكرٍ ودهاءٍ شديدين استطعتُ أن افلتَ من التزامٍ جسدي لأجندةٍ سريرية معللةً الرفضَ بتعبٍ ألّم في أطرافي، وما أن تأكدتُ أن محاولاته استسلمت إلى يأسٍ لبرودة تفاعلاتي، غّط في نومٍ عميق.. حدقت في رموشه المقفلة وشفتيه المفتوحتين، واستدركت في دهائي وتسللتُ بخفةٍ وتحركتُ ببطءٍ نحو الباب تاركةً ورائي رجلاً يداهم الفضاء شوقاً..

أقفلتُ الباب بهدوء، وتأكدت أن الأطفال يقطفون قطرات ندى من على فجرٍ قد هوى على وريقاتٍ يانعة وعلى ثغرهم ابتسامة ملائكية جداً..

نزلت إلى مكانٍ ملتصق بالأرض أتنفس فيه حريتي المخنوقة، أجر على درجات الرخام في ثوبي مساءً طويلاً نابضاً بالحياة، مغموراً بالرغبة، ممزقةً نموذجاً مدفوناً بالولاء والطاعة.....
شوق يناديني، وإحساس في نسيج خيطاني ينمو كعين غزال فوق صخرةٍ منقوشة بالرماد.

حدثني كثيراً... وفي كل مرة كان يفاجآني بأشياء مثيرة، لم تكن تدور في فلكي الضيق الذي بالكاد يتسع لمحيط خصري، بدأ يسرقني من كياني ويبعث فّي نفسي نفساً جديدة، تلائم حاضر الزمان والمكان. وضعت يدي في يده والتحف جسدي بجلده....... تلك كانت المرة الأولى التي أشعر بنبض إيقاعه في قلبي... أتذكر تماماً.... على تلك الأريكة التي يتكأ عليها مفرش مغربي بلون البنفسج الطري، انطلقت معه إلى عوالم كثيرة تحررت بها من كل شيء عدا الحب، ففي كل كلمة قالها لي انطلقت من حنجرته المخملية كانت تأخذني معه إلى أماكن نائية حيث الكلمات والحروف تتراقص على تتكسر على ساحل تعبيره، هناك....تحت فيافي نخلة وشجرة جوز هند مثمرة، حدثني عن أمور كنت قد نسيت أنها تدور في عالم النساء وفي كل مرة كنت أتذكر أني امرأة من جديد، فأبعث من موتي الى محياي، بعدما قبضت علي أصابع الآخرين وأخذت تدورني وتكورني وتزج بي في خانة اليك، حيث كنت اثبت ولائي وفقاً إلى قوة الضربة التي كانوا يلصقونها إلي فأبدو كدالةٍ مطيعة من الدرجة الأولى حتى السادسة، والمدهش أن ضرباتهم كانت تتناوب بين القوة الرابعة حتى السادسة، فاسقط بتثاقل وأبدو مكعباً من الهزيمة، لكن وجودي معه هذه المره اختلف تماماً، بدأ من حيث توقف قبله جندٌ آخرون على حدود المعابر الساحلية الشائكة التي رجعوا منها يجرون اذيال الرغبة والخيبة معاً، لان اسواراً من العتاب المنتصبة على مدينة خيالاتهم كان تتصدى لهم.

تنامى شعور بالوجود كشمعة استماتت من أجل النور، معه وفقط معه وعلى سطوره أدركت أناي..
بدأ إعجابي به من فوق السطور ومع مرور الساعات بيننا صار اهتمامي يتنامى أكثر وأكثر...بل أكثر.. وصرت اشعر بكلماته تدخل أوردتي من وراء السطور لأنه آل تغيرا كبيرًا في حياتي. من فوق السطور، وعلى السطور، ووراء السطور، لم يترك مكاناً إلا وثّبت به وتداً وأصبحنا معاً وجوداً فوق سطح الحبر..

بدأنا نتفق على أشياء ونختلف على أشياء مرةً أنا مؤيدة ومرة أنا معارضة لكن النقاش بيننا كان مثيراً بصمت، لم أكن اتركه وانصرف. الغريب انه دائماً كان يحاورني بكلمات ليست كالكلمات وإحساسٌ لا يشبه الإحساس، لم يتركني بتاتاً كان يستمع إلي حتى الرمق الأخير على عكس الحياة التي كنت أتنفسها برئة مشبعة بدخانٍ مسموم محتجز في تلك الخانة المربعة من الصمت....

وفي تلك الليلة بالذات أدركت أحلاماً غرغرت في منبع صفوي هناءً والحرارة تستعر في قلبينا والعتمة تلفظ زفراتها الأخيرة وأنا ازفر قواي الأخيرة...

تيار كهربائي مذهل سرى تحت سطح جلدي مسرعاً، مجارياً قلبي للوصول على أعتاب النبض قبل أن يأتي الفجر فينفخ على شموعي فتذوي....

سمعت أنيناً متسرباً من مسامات الغرفة، تركته على عجل محاولةً إفلات أصابعي التي عانقت سطوره بالقوة، وكانت حينها في تراقصٍ على الأوتار الدفينة... لم يرد أن يفلتني لكني نجحت بشق العصا أن أهرب من غراء إغرائه وآهات من شفاه تتعالى تحررت من قفصي الصدري كطيف أيار تحرر على شرفة تسجد للغسق،..... فتحت الباب فوجدته على الأرض مستلقياً.. لأنه من على
السرير قد هوى...

أعدته إلى مكانه بأمان..

"ما أجمل وجهك الطفولي يا حبيبي.. "

غادرته بكل هدوء وأنا امشي على أطراف أصابعي...

رأيته يتوسط السرير، ماسكاً بكلتا يديه وسادتي الخالية..

فارتسمت على وجهها ابتسامة بلون الفجر الناعس..

وعادت لتكمل قراءة الرواية......


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى