الأربعاء ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم وفاء الحمري

غريب في بيتي

شت بينهمم سنين طويلة …أو قل تعايشت معهم مجبرة ….الأعداد كثيرة …. ….نتصارع نتقارع …أحيانا أصرعهم وأحايبين يصرعونني …كنت ولا زلت القوية لكن يعبثون بجسدي ويقتاتون من عصبي … قال لي أحدهم لولا قوة شخصيتك لطغوا وتجبروا وعاتوا فيك وعندك …عند الهوان والتعب أقول لذاك القائل: منخورة أنا سيدي حتى النخاع. لن يصدقني طبعا لأنني ترددت عليه أكثر من مرة لنفس السؤال وكان هو عند نفس الجواب …كنت لحظات كسري وضعفي استجلب القوة واستبسل وأتجند للمواجهة… لكني أجدني هباء ينثره الريح… أستجمع ما ساح مني من ماء الوجه وأترصده عند الدخول لأرمي له بالكرة النارية بكل عجلة حتى لا يسيح مني الماء ثانية …ماء وجهي وأدعي القوة وأتراجع عن الإستغاثة والنجدة وأعيد السناريو من أول فصل حتى تنهدّ قوتي وتضعف مناعتي ويسيح مني الماء…ماء وجهي وأنزوي معهم وبهم يتلاعبون بي …ينهكونني …يقتاتون من غضبي ….يستلذون من عصبي فاستحضر الرجل المعلوم ….

اليوم لابد أن يحضر….

أطلقتها في وجهه عند دخوله البيت كأني اخشى أن أتراجع

يعرف هو ما أعنيه

أموت لحظات يحضرون ….عيوني شاخصة ووعي كامل …وكأنما يستعذبون تعبي مستحضرين يقظتي لأشهد تعذيبي بعيون مفتوحة ….نعم بعيون مفتوحة…

تلك الحبة البيضاء الصغيرة التي ألوح بها على عجل داخل تجويف حلقي وأدفعها بجرعات كبيرة من الماء لم تعد تتحلل في دمي لتروي خلايا دماغي وتثبط كهرباءه ولو لساعة …. أهنأ أنا بلحظات تنويم أجدد بها قوتي أو بعضا منها …قوتي كانت تنهد لها الرقاب …فتنة وفطنة وذكاء ….مع هذه العشرة الغريبة وحين تعبي تنهار امبراطورتي في لحظات لاصبح فارغة إلا من إسمي ورسمي الذي أعجب لعدم تأثره بتعذيبهم ….

أطيل النظر في المرآة وأهتم أكثر بزينتي …العطور …البخور.. وقفة رجاء أيها القلم ….البخور ….سجلها في المفكرة قبل ان أعاود الإنهيار …. البخور طقس كنت فيه ومعه كنا نشكل ثنائيا رائعا حيث …أنا من عاشقات الطبيعة … المواد الأصلية والترابية في كل شيء مع أن برجي ناري… عند تعبي ازيد الكمية…كمية البخور بل أغيرها وأعجب أني أغيرها بالتي هي أردأ…

أذهب إليه مرة أخرى ….ناصحي الخبير…قال تلك تغييرات فسيلوجية تتأثر بالصعود والنكوص وان كنت لحظتها اتمنى أن أنسى كل معلوماتي لأحضى بمن يشرح لي حالهم معي بدون هذه المصطلحات الباردة ….

لحظة الحضور…حضورهم … أنسى إسمي ورسمي وأتعايش مضطرة مع وجعي ….

لابد أن يحضر ….وقد حضر ….يكون الإستحضار مكثفا أحيانا….أحيانا يستطيل الموعد حتى اظنه لن يعود فامني النفس بالأمان…

اغتسلت ولبست ردائي السابغ وانا في كامل وعيي ومنتظرة له ….أنتظره على نار …نار أشوى بها وحدي …أطلقت بعض البخور الطيبة ….افترشت السجاد الغليظ في الصالون الكبير ووضعت ازارا وغطاء وبعض المناشف….اشعلت المسجلة …استمعت بإمعان …أحسست برعشة فاقفلت الآلة ….و…..انتظرته….

عند العصر سمعت جرس الباب فازدادت رعشتي….جريت لأفتح ورجعت مسرعة إلى الصالون حيث تبعني ….

جلس مبسملا ومحوقلا ….أنظر إليه أنا بطرف مقلتي لأجده ليس هو. …. ليس ذاك الآخر الذي يأتيني …

هذا أكثر شبابا وقوة …لحيته كثيفة يلبس جلبابا أبيض….ردد مهمهما كلمات عرفت ما تكون …. مسح بنظره الصالة فلم يجد بقية العدة… أدنى عليّ الإزارفي حركة خاطفة وأمسك بجبيني …بعد أن مرر بحركة خاطفة أخرى زجاجة دهن معطر رائحته طيبة على أرنبة أنفي ….كنت مستعدة كما دائما لكن تغيير الشخص الذي تعودته أصابني ببعض الذهول سرعان ما تجاوزته….قلت العملية واحدة وإن اختلف الأشخاص …أقنعت نفسي بقبول هذا البديل …لا أدري كيف ستمر الأمسية ….

لا أعرف رغباته….تحفظاته…طلباته….بل أجهل تماما طريقته …أمثلى هي أم دون ذلك ….

مذهولة كنت أول ما رأيته …مذهولة أنا والعملية في منتصفها ….أتحسس بذكائي أوجه التشابه وطرق إنجاز العمل…. بل ألاحظ الإختلافات عليه وعلي ….ما زلت منتبهة وفي وعيي الذي لم أفقده في أي جلسة من الجلسات ….

صدق الخبير الذي قال لولا قوة شخصيتك لكنت سقطت صريعة ….صريعة أنا يا ايها الخبير سواء أفقدت وعيي أم لم أفقده ….صريعة منذ أدخلوني إلى عالمهم على حين غفلة ….كان قد قيل لي من خبير آخر أن لحظة امتلاكهم جسدك تكونين في غفلة أو في نشوة شديدة …فكنت اتوسط في كل أحوالي وأحاول أن أضع انفعالاتي على كفتي ميزان دقيق خشية استلائهم التام وسيطرتهم الكاملة علي… أحيانا أكسر كفة ميزاني وأنطلق في مرح شديد بل أحيانا استجلبهم بنفسي عندما اتغيب عن بعض التكاليف….وأتخلى عن بعض الطقوس …

ما زالت كفه العريضة ممسكة بناصيتي …أكاد أسمع نفسه صاعدا وهابطا بعدما تعذرت لدي الرؤية …

أرفع طرف الإزار لإنظر إليه فيعيد كفي إلى فخدي بعد أن يغشي كفه بطرف الإزار ….

لحد الآن كل شيء كما دائما …لا جديد …بدأت أعد نفسي للعملية …أعرف كم هي صعبة وطويلة
و…منهكة ….لكن اخرج منها منتشية …يذهب بعدها همي وغمي وأعود نشطة طلقة سارحة في عالم السعادة والصفاء ….

حضوره دليل على حضورهم وحضورهم الشديد دليل على تعبي وتعبي من يستحضره. في يوم أخاله كأنه سنة ….ساعات أسبح فيها في ملكوت يختلط فيه الفوقي بالسفلي والناري بالنوري… وتتطاير الكرات …وتتبادل الضربات …وتكون الجلسة أسطورية…أسطورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى …يتلاشى فيها العقل ويتماهى المنطق وتذوب شرايين الأدمغة …لا أدري ذاك الذي يعوض دماغي لحظتها….إني أسمع وأرى …المكان هو المكان والزمن هو الزمن والأشخاص يختلطون والذوات تتداخل ….أحسست بحركة غريبة وسريعة …أحسسته أكثر قربا مني ….قبل أن أدع تساؤلاتي تمطرني بأنهار من الإستغراب كان قد حط منكبه القوي أعلى بطني جهة معدتي ….أصرخ أنا ….استغيث أنا …. احترق أنا ….ألتهب أنا ….وكزني أكثر وغاص بداخلي أعمق وأعمق

إني أموت …أموت: صحت بكل الجهد الذي بقي لي….
إنهم هم ولست أنت أسمعه يردد…والآخر يستنكر العملية في صمت ثم أجده يصمت هو الآخر فأصرخ أنا ….ألتهب أنا …. أتحرق أنا …فيردد هو بصوت مطمئن:( إنهم هم وليس هي) ….والوكزة تحفر في كبدي ….والنفس يتسرب من رئتي ….أجاهد ….حتى أستجمع بعض القوى لأصرخ مرة أخرى

أسمعه يكرر نفس العبارة ….والآخر يحاول أن يثنيه ليحضنني ويبعدني…أحسست هذا من تراخي قبضة يده على ذراعي الأيسر وجذبه الخفيف لي تجاه...ما زالت تتدلى على مسمعي نفس الكلمات ….نفس الجمل …

نفسي ينقطع….هو يتلو …الآخر همد …. أطلق قبضته من ذراعي….فهجم هو عليها فأصبحت محشورة بين كف تمسكني من ذراعي ومرفق يخترق أحشائي….ارتفعت حرارتي ….تلتها برودة شديدة خلتني فيها مصبوب علي بدلو ماء مثلج ….فقدت الإحساس بوسطي ….لحظة غريبة ….لحظة صفاء كامل …توحدت مع ذاتي وجسدي واعترتني فرحة عجيبة ….فرحة عدم الإحساس….وجدتني خفيفة كانني ريشة ….صفاء ذهني تام لم أعد أحس بثقل كفيه ولا بضغطة مرفقه ….همدت…..أسمعه يقول للآخر الآن تمكنت منهم سوف أبدأ الجلسة …

بسم الله الرحمان الرحيم …..السلام عليكم:

صمت كامل

السلام عليكم

صمت كامل

اطلق ضحكة مدوية وقال اتنم إذن غير مسلمين

صمت كامل

أنا في توحد كامل مع ذاتي … أسمع خرير دمي يسري فاتتبعه مرة صاعدا إلى الرأس فأحس بصهد عارم أتعرق خلاله عرقا شديدا ثم ما يلبث يعود نازلا إلى أسفلي فتصفعني البرودة الشديدة فأجر علي الغطاء الثقيل وأنا أرتعد …أسمع دمي يسري فيّ…. أسمعه يقول لزوجي ساعيد الكرة إنهم عنيدون وسأعيد حشرهم في نقطة معينة من الجسد حتى يذعنوا ويأتوني إن شاء الله طائعين مسلمين….

انتفضت بكل ما في من قوة ….استيقظت ….أغيبوبة كانت؟؟؟؟ لا أدري

كنت أسمع وأرى وأنا في خفة من بدني وتلاش من جسدي ….

حاصرتني الكف والمرفق ثانية ….صرخت والوكزة تتوغل أكثر عند كل صرخة ….سأعود إلى حالتي الأولى ….سأتلاشى ثانية…الحرارة….العرق….البرودة….الخفة….الفرحة ….لوحات مرت بي في لقطة خاطفة وعيت فيها أني ربما لن أعود من رحلتي الثانية كما عدت من رحلتي الأولى … رحلة الموتة الصغرى ….رحلة الغيبوبة …لا أدري ….لا أدري….فعلا لا أدري…أنا الآن اتصبب عرقا وانتفض كالطير المذبوح ….استجمعت أمري وقلت بأعلى صوتي:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

صاح هو الله أكبر قد خضعوا ….

لحظتها رفعت من فوقي أثقال تنهدت إثرها تنهيدة طويلة …. أسترجع بها روحي ….أستعيد بها نفسي..

من أي ملة أنت؟؟؟؟

مسلم

وهل المسلم يعتدي على المسلم؟؟؟؟

لا

لم أنت حاضر في هذا الجسد؟؟؟؟

عن طريق السحر

ما اسمك؟؟؟؟

محمد

أمتزوج أنت؟؟؟

نعم

كم عدد أولادك؟؟؟

أربعة

أهم حاضرون في هذا الجسد؟؟؟

هنا احترت في الجواب وصمت عن الكلام ثانية ….

كنت أنا من يجيب على الشيخ الراقي عسى أحضى بالحياة فليس كل مرة تسلم الكرة …وهذه الكرة ستكون قاضية ولا ريب

خلال صمتي القصير أحسست بدنو الوكزة فبدات أجيب على الأسئلة بكل انتباه كأنني تلميذة نجيبة بين بيدي معلم صارم…

اطمأن الشيخ للأجوبة فرفع الإزار عن وجهي ….

رفعت الجلسة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى