الخميس ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم أحمد زياد محبك

باب وأبواب

مسرحية من فصل واحد
المنظــر
مجموعة أبواب، عشرة أو أكثر، تلتفّ على شكل قوس مقعّرة في عمق المسرح، وكل باب مختلف عن الآخر في النمط والحجم واللون، في الوسط مائدة مستديرة حولها كراسٍ بعدد الأبواب، مختلف بعضُها عن بعض اختلافاً كلياً في النمط والحجم واللون.
 
مجموعة أشخاص، رجال ونساء، بعدد الأبواب، مختلفون جداً، مابين طويل وقصير، وبدين ونحيف، وأصلع وكث الشعر، وأبيض وأسود، وغني وفقير، وفصيح ومتأتئ، ومن الممكن استخدام الأقنعة المشوهة لإحداث التمايز والاختلاف.
الثياب مختلفة جداً ومتباينة، ولكن لاشيء ألبتة مما يمكن يدل على دولة أو أمة أو شعب أو تاريخ، لا في ألوان الأبواب أو نمطها، ولا في ألوان الثياب أو أزيائها، مجرد التباين والاختلاف والتنوع هو المطلوب، وليس ثمة أي دلالة سياسية على الإطلاق.
في الخلفية وراء الأبواب صورة كبيرة لطفل يزحف أو يلعب ووراءه شمس كبيرة مشرقة.
 

المشهد الأول

 
المسرح مضاء
يدخل الممثلون في فوضى واضحة، حتى إن بعضهم ليصطدم ببعض ويقع على الأرض، يتوجه كل واحد إلى باب في تزاحم وتدافع وتقاطع، ثم ما يلبث كل منهم أن يخرج من وراء الباب ليتبادل الجميع مواقعهم وراء الأبواب كأن كلاً منهم غلط في معرفة الباب الخاص به، يصاحب ذلك تداخل الأضواء وتقاطعها، كما تصاحبه موسيقا لا تخلو من فوضى.
قبل أن تستقر الفوضى يخرج أحد الممثلين من وراء أحد الأبواب، يلف حول المائدة، يدور في المسرح فارداً يديه كأنهما جناحان، يصيح بأسلوب ساخر، لا يظهر فيه شيء من الجد.
الممثل الأول- يا جيران، يا سكان العمارة، يا ناس، حرامي، حرامي سرقني، سرق داري، يا جيران، يا ناس، يا هوه.
يخرج الممثلون من وراء الأبواب في فوضى، يلفون حول المائدة، يتهامسون يلغطون يتحدث كل واحد إلى الآخر، تظهر إشارات من أيديهم ورؤوسهم وأفواههم تدل على الجدل والنقاش، تنتهي الإشارات إلى ما يشبه الاختلاف والشتم والتهديد والاستنكار، تنتقل بعض الإشارات إلى الأرجل رفساً وركلاً، يصاحب ذلك كله موسيقا صاخبة سريعة تتعالى شيئاً فشيئاً ثم تقف فجأة. تجمد حركة الأشخاص ويقف الجميع كأنهم دمى، كل واحد منهم يقف عند حركة معينة هذا يشتم، وذاك يخاصم، وذلك يتهدد، وهكذا.
الممثل الأول يخرج من جموده، يتحرك بين الأشخاص، يقف أمام أحدهم يضع يده على كتفه، فيتحرك، يخرج من جموده، يتصافحان.
الممثل الأول- مرحباً، جاري الكريم.
الممثل الثاني- أهلاً، يا جاري الأكرم.
يمشي كل منهما بجوار الآخر، في خطا غير منتظمة، يتحركان جيئة وذهاباً، وشيئاً فشيئاً تتوافق خطاهما، ويضع كل منهما يده في يد الآخر، وكأنهما صديقان حميمان.
الممثل الأول- أنت تعلم يا جاري، أنني موظف صغير، تعبت كثراً في حياتي، وكل ما جنيته ليس سوى دراهم معدودة، ثم يأتي لص فيسرقني.
الممثل الثاني- أنا معك، وأنا أفهم وضعك المؤلم، ويسرني أن أخدمك.
الممثل الأول- وبماذا تنصح لي؟
الممثل الثاني- أستطيع رفع دعواك إلى مختار الحي، إلى مدير المخفر، إلى المحافظ، إلى القاضي الأول، إلى القاضي الفرد، إلى وزير العدل.
الممثل الأول- أشكرك، أنت جار كريم.
يصافحه مودعاً، وما إن يسحب يده من يد الممثل الثاني، حتى يجمد هذا الأخير فجأة، ويعود إلى حالته الأولى التي كان عليها، من إشارة الخصام أو الشتم مثلاً.
الممثل الأول يطوف بين الأشخاص، ثم يختار أحدهم، يقف أمامه، يضع يده على كتفه، فيخرج من جموده، ويتصافحان، ويسيران معاً.
الممثل الأول- مرحباً بجاري الطيب.
الممثل الثالث- أهلا بجاري الأطيب.
الممثل الأول- أنت علمت بأني سُرِقْت.
الممثل الثالث- نعم، علمت بذلك، وأنا على استعداد لمساعدتك، أنا في خدمتك، يمكنني أن أقسم مالي كله بيني وبينك، خذ مني ما تشاء ضعف ما سرق منك، لا تحزن، المال لا يساوي شيئاً، هذا صك مفتوح (يخرج من جيبه دفتراً، يوقع على صك، ويناوله إياه) خذ، املأه بالمبلغ الذي تريد، من الألف إلى المليون، ومن المليون إلى المليار، املأه بما تشاء.
الممثل الأول- أشكرك يا جاري الطيب.
يودّعه مصافحاً، وفي الحال يعود الممثل الثالث إلى ما كان عليه من جمود.
الممثل الأول يطوف بين الأشخاص، ثم يقف أمام أحدهم، يضع يده على كتفه، فيتحرك ويسيران معاً وشيئاً فشيئاً تتفق خطاهما.
الممثل الرابع- فهمت في الحال قصدك، عندي خنجر وساطور وسيف ومسدس ومدفع وقنابل يدوية وألغام مضادة للأفراد وأشعة ليزر، اطلب مني ما تشاء، أنا كلي في حمايتك.
الممثل الأول ينسحب سريعاً تاركاً الممثل الرابع ليعود إلى جموده وفق حركته الأولى التي كان عليها من قبل.
الممثل الأول يطوف بين الأشخاص المتجمدين، يبتهل إليهم، يتلمّسهم بيديه، فرحاً، منتشياً، مطمئناً، يرقص، يطير يحلّق.
الممثل الأول- بخير، بخير، بألف خير، أنا والجميع، لن أسرق بعد اليوم، سأعثر على السارق، أنتم عوضتم علي كل ما سرق مني، أنا سعيد، أنا فرح، أنا مسرور، لا أعرف ماذا أقول، شكراً يا جاري، شكراُ أيها الجار، شكري لجاري البطل، شكراً لجاري الكريم.
يقف فجأة، يصمت، تتكسَّر حركته، تتحرك ذراعاه مثل دمية من خزف، يتكسر صوته.
الممثل الأول- ولكن يا جيران، تعالوا لنتفق على شيء واضح محدد، تعالوا لنتفق على ما سنفعل.
(تعتيم)
 

المشهد الثاني

 
الممثلون يملؤون الكراسي الملتفة حول المنضدة القابعة في منتصف الخشبة، المسرح ما يزال معتماً، الممثلون يدخنون بنهم، بصيص السكائر وحده يشع وسط العتمة، قداحات تلتمع لتشعل سكائر جديدة، التدخين يتواصل بشراهة ونهم وقلق، سكائر تُطفَأ، أخرى تشعل، في آلية عصبية، الأمر يطول قليلاً، بقعة ضوء تسقط على وسط المنضدة ليظهر الدخان المتصاعد من السكائر، يمكن ضخ مزيد من الخان حتى تمتلئ المنصة بالدخان، صوت سعال من حناجر مختلفة، بإيقاعات متنوعة، ثم شيئاً فشيئاً يغيب الدخان، يصمت السعال، وتضاء المنصة.
الممثل الأول- الشكر لكل جار، الشكر لجاري البطل، الشكر لجاري الكريم، الشكر لجاري الذكي، الشكر لكل جار، الشكر لكل واحد منا، فرداً فرداً وقد حضرنا للتفكُّر والتفكير، نحن هنا لنفكر.
الممثل الخامس- أحرقت عشر سكائر ولم أصل إلى أي فكرة.
الممثل السادس- أنا أحرقت عشرين.
الممثل الأول – ما رأي كل جار في تركيب باب من حديد على باب العمارة الخارجي؟!
كل جار يتكلم بحدة وجزم وقطع وفي قدر كبير من الخصام، يتتابع الحوار بسرعة كبيرة ثم يتداخل بفوضى.
الممثل التاسع- أنا أقترح أن يكون الباب من ألمنيوم.
الممثل السابع- لا، الخشب أجمل.
الممثل الرابع- لا ضرورة للباب على مدخل العمارة، لأن اللص قد يأتي من النافذة.
الممثل الثالث- بل الباب للعمارة ضروري، ولكن المشكلة في فتحه وإغلاقه.
الممثل الثامن- ليس في الأمر مشكلة، لكل جار مفتاح.
الممثل الثاني- والأهل والأصدقاء والزوار من سيفتح لهم الباب؟؟
الممثل السادس- نعين حارساً للباب.
الممثل الخامس- فليكن الحارس ولا ضرورة للباب.
الممثل التاسع- الباب أفضل، ويجب أن يكون من ألمونيوم.
الممثل السابع- بل الخشب أفضل.
الممثل التاسع- لا، بل الألمنيوم أقوى وأفضل وأحدث.
الممثل الخامس- أنا قلت الحارس، الحارس هو الأفضل.
تمر فترة صمت، يسمع فيها صوت شخير ونخير، كأن الأصوات بحت، وكأن الحناجر تعبت من غضب وإرهاق.
الممثل السابع- ( ينهض وهو يشير بيده إلى الممثل الخامس متهماً) أنا أعرف، أنت تريد الحارس، لأنك تريد توظيف أخيك العاطل عن العمل حارساً.
الممثل الخامس- ( ينهض وهو يشير بيده إلى الممثل السابع متهماً) وأنا أعرف، أنت تريد باباً من خشب لأن ابنك يعمل في نجارة الخشب وتريد نفعه.
الممثل التاسع – قلت لكم، باب من ألمنيوم هو الأفضل، أنا لست بائع ألمنيوم، ولا تاجر ألمنيوم.
الممثل الأول – ولكن لا يمكن أن تنكر، زوج ابنتك يعمل في ورشة ألمنيوم.
الممثل السابع- وأنت اقترحت باباً من حديد، أنا أعرف، لأن زوج أختك يعمل في ورشة حدادة.
الأصوات تتداخل في فوضى وصخب، حتى تتفاقم، ثم يصيح الممثل الأول
الممثل الأول- يا كلّ جار، شكراً، شكراً، لهذه الأفكار، وإذا كنا اختلفنا في الأفكار، فلنتفق على الطعام، هيا، هيا إلى الطعام، العقل يفرقنا، والأكل يوحدنا.
الممثلون ينهضون في فوضى وهياج، يعدو كل منهم إلى باب ليحضروا من وراء الأبواب أشواكاً وملاعق وسكاكين وصحوناً وفناجين وقدوراً كبيرة جداً، وهم يرددون في همهمة:
العقل يفرقنا
الأكل يوحدنا
العقل يفرقنا
الأكل يوحدنا
ثم يؤدون رقصات فردية متنافرة، كل يرقص على هواه، ثم ينتظمون في رقصة جماعية موحدة، ويغنون معاً:
ملوخية وكبه في غدانا
معالقنا طناجرنا نسينا
ويبرق مع كوارع في عشانا
عليها كل كلامنا وهوانا
 
رجال نحن طعامنا تلال
تعال يا من تعادينا تعال
رجال نحن شرابنا شلال
ترى فينا رجال مثل جبال
تعتيم
 

المشهد الثالث

 
الأبواب نفسها، وقد وضعت أمامها أبواب أخرى، من خشب أو من حديد، أو من ألمنيوم
بعض الأبواب وضع أمامها عدة أبواب، يفضي بعضها إلى بعض.
الممثل الرابع- يا كلّ جار، يا كلّ جار، أنا وضعت على داري بابين، من حديد وألمنيوم، وجاري الأول ركَّب ثلاثة أبواب، جارنا الثاني عين على باب داره حارسين، وغداً يركب كل واحد منكم على باب داره ألف باب، ومع كل هذا، كل يوم تُسرَق دار، الحل؟ الحل؟ يا كل جار.
الممثلون يضجون يلغطون يصخبون يشيرون بأيديهم وأرجلهم وأجسادهم حركاتهم تتحول إلى ركل ورفس.
الممثل السابع- داري، داري، داري يا كلّ جار، لصّ، حرامي، سرق داري، أنا مسروق يا كلّ جار.
الممثل التاسع- وداري، داري مسروقة يا كلّ جار.
الممثل الخامس- وأنا داري؟؟
الممثل السادس- وداري أنا؟؟
الممثلون ينشدون على هيئة جوقة نشيداً جنائزياً متشابكي الأيدي أكتافهم متلاصقة بعضها ببعض، يؤدون طقساً هادئاً جداً حزيناً كأنهم يبكون وينوحون.
كل جار فينا مسروق
وكل يوم لص من فوق
نحن ألف دار ودار
وبراسنا طن أفكار
ودمنا نشف بالعروق
ونحن لا ننام ولا نفوق
عندنا ألف جار وجار
لكنّا مثل مسمار
يجلسون إلى المائدة بهدوء
الممثل الخامس- أنا رأيي تركيب باب للعمارة.
الممثل الرابع- وأنا رأيي وضع حارس.
الممثل العاشر- وأنا رأيي وضع أسلاك شائكة حول العمارة.
الممثل الأول- وأنا رأيي وضع ألغام.
الممثل الثالث- وأنا رأيي هدم العمارة.
الممثل السادس- وأنا رأيي.. لا أعرف؟؟ لم تتركوا لي أي رأي أنفرد به وحدي.
الممثل الثامن- وأنا...أنا لا أعرف، سرقتم كل أفكاري، أبحث عن رأي أختلف فيه معكم ولا أجد، دلوني على رأي مختلف؟؟
الممثل السابع- وأنا رأيي أن كل واحد منكم على خطأ.
الممثل الثاني- كل واحد فيكم تكلم، فأخطأ، وأنا وحدي لم أتكلم حتى الآن، فهذا يعني أني وحدي على صواب.
ممثل قزم يدخل، ثيابه لا تدل على دولة أو عصر، له ذيل، يضع قناعاً، في رأسه قرنان، قد يشبه الشيطان، ولكنه ليس هو، يفضل أن يبقى غامضاً، ولا يدل على شيء محدد. يسحب ستارة من ورق رقيق شفاف مدلاة من سقف المسرح، على هيئة باب كبير، يسحبها ويضعها بين الممثلين ومقدمة المنصة، وقد لا يكون ثمة ورق على الإطلاق، يمكن أن يوحي بحركات يديه أنه يسحب باباً من وهم يضعه بين الممثلين ومقدمة المنصة، يغلقه عليهم.
الممثل الخامس- يا كل جار، أيها الجار الطيب، أيها الجار الذكي، أيها الجار الشجاع، أيها الجار الحكيم، كفانا اجتماعاً على التفكير لهذه الليلة، فقد أدركنا الصباح، وعلينا أن نخرج إلى أعمالنا.
ينهضون من كراسيهم في فوضى وصخب، يتوجهون نحو مقدمة المنصة كأنهم يريدون الخروج، فيصطدمون بالباب، يتجمعون أمامه، أيديهم تنزلق على الباب الوهمي، أو الباب الورقي، في حركات طقسية، وهم يتصايحون، والقزم يرقبهم، وهم لا يرونه، وفي حال إسدال ستارة من ورق فيفضل أن تكون رقيقة وشفافة وأن يضخ وراءها الهواء، حتى تتطاير.
أصوات الممثلين في تداخل، وهم يؤدون حركات طقسية بأيديهم أباب الباب الوهمي أو الورقي: باب، ما هذا الباب؟ باب كبير، لا فتحة فيه ولا شق، كيف سأخرج، كيف سأخرج أنا، وأنا كيف سأخرج لا أستطيع فتح الباب، كأنه جدار من إسمنت، بل كأنه من حديد، أنا أقول كأنه من ألمنيوم، بل هو من خشب، مهما كان، فأنا لا أستطيع الخروج، كيف أخرج، كيف أخرج.
القزم يرقبهم يتحرك حولهم، يضحك، يسخر، يقفز، يرقص.
تعتيم
 

المشهد الأخير

 
أصوات الممثلين وراء الباب، أصواتهم ممطوطة، متعبة، مقهورة، يتداعون، ينهارون، يسقطون على الأرض، بتراخ وكسل، مستسلمين.
أصوات: آه، تعبت تعبت، لا أعرف كيف أخرج، وأنا لا أعرف أخرج، حاول، أنا لن أحاول. الأمر واضح. آه، انظر. هذا شق تحت الباب، سأعبر من تحته.
الممثل الخامس- (ينبطح على الأرض) آه، هذا هو الشق تحت الباب، ولكن يجب أن أنبطح على الأرض، يجب أن أمسح بالأرض ثيابي وجسمي، لا بأس، فليكن، هاإني أتلوّث بالماء والطين والقذر، حتى وجهي وأنفي وفمي، كل شيء فيَّ قد تلوث، ولكن ها إني أدخل رأسي تحت المقصلة، آه، جسمي عظامي، يا لهواني وذلي، ولكن، ها إني مثل دودة، أزحف على بطني، ولكني أخيراً أخرج من تحت الباب.
في تلك الأثناء يدخل الممثل القزم، وهو يحمل مجموعة أقنعة، منها قناع فأر، وآخر قناع كلب، وثالث قناع ذئب… يقترب من الممثل الخامس الزاحف تحت الباب الورقي، وقبل أن ينهض يضع الممثل القزم على وجهه قناع فأر، ثم يأخذ في الرقص.
الممثل الخامس: ها إني قد خرجت، هيا، هيا، يا كل جار، أنت وأنت وأنت، ازحفوا مثلي، لقد صرت على الطرف الآخر، هيا، ازحفوا، لتصيروا مثلي، على الطرف الآخر.
الممثلون يشيرون إليه بأيديهم مذهولين، وهم يتراجعون وقد أصبحوا كتلة واحدة.
الممثل الخامس: ماذا؟ ماذا بكم؟ لماذا تنظرون إلي هكذا؟
الممثل القزم: ( يخاطب الممثلين هو يرقص وهم لا يرونه) هيا، هيا ازحفوا، اعبروا تحت الباب، أحضرت لكل واحد قناعه، تعبت من حمل أقنعتكم، إلى متى سأظل أحملها، هيا، هيا، لأعطي كل منكم قناعه، قناع الذئب للذئب، وقناع الكلب للكلب، وقناع الحمار للحمار، هيا، كل منكم يعرف قناعه، إلى متى سأظل أحمل الأقنعة.
الممثل التاسع- (يخرج من وراء أحد الأبواب) يا كل جار، يا جيراني الكرام، سرقت الليلة سرقت، أنا، داري، كلّي أنا مسروق، مسروق أنا.
يلتفت إليه الجميع، وقد التصق بعضهم ببعض ثم يشيرون إلى الباب.
الممثل التاسع- ما هذا؟ باب؟ باب يحبسنا؟ نحن محبوسون، السرقة من قبل، والباب المغلق الآن؟، ما هذا ما هذا؟! أولاً السرقة، وثانياً الباب؟ وثالثاً ماذا؟ ماذا يا أحباب؟
الممثل القزم- ( يرقص ويغني وهو يخاطب الجميع وهم لا يرونه) والقناع، القناع، القناع ثالثاً يا أحباب، هيا، هيا تقدم، خذ قناعك، كل واحد منكم له عندي قناع.
الممثل التاسع- ( يشير إلى الممثل الخامس) وأنت هناك، هل أنت جاري، ما بال وجهك أصبح مثل الفأر؟ بل أصبح حقاً وجه فأر.
الممثل القزم- هيا، هيا يا حبيبي تقدم، ازحف وخذ قناعك، القناع، القناع يا أحباب.
من عمق المسرح ومن بين الجمهور يتقدم طفل في ثيابه المدرسية، يحمل على ظهره حقيبته المدرسية، يعبر الممرات وهو ينادي بصوت حنون ناعم:
الطفل- صباح الخير يا عمي، صباح الخير يا جيراني الكرام، لماذا أنتم واقفون هنا، لماذا لا تسيرون، لماذا لا تخرجون؟
الممثل القزم يرقب الطفل من فوق المنصة بحذر، كلما اقترب الطفل تلوى القزم وتضاءل وانطوى على نفسه، حتى إذا ما اقترب أكثر رمى بالأقنعة، وسحب ذيله ثم أخذ يعضه، ثم ينحني وينطوي على نفسه، كأنه يذوب ويضمحل، ثم يخرج منسحباً من وراء أحد الكواليس وهو يزحف على بطنه.
الطفل يصعد إلى المنصة
الطفل: ما هذا؟ لم أنتم هكذا جامدون؟ ما ذا يجري الآن؟
الممثلون- الباب، الباب، الباب، الفأر، الفأر، الثأر، الخيانة الغدر.
الطفل- أي باب، وأي فأر؟!
الممثل التاسع- آه، جئت في وقتك المناسب، تعال يا ابن جاري الكريم، تعال، اعبر أنت بجسدك الصغير من تحت هذا الباب، وانظر لعلك تستطيع فتحه من الخارج.
الممثل الخامس – أو من الداخل.
الممثل الرابع – ما عدنا نميز الداخل من الخارج.
الممثل الثالث - اختلط علينا الأمر يا ولدي.
الممثل التاسع – هيا يا ولدي، اركع، بل انبطح وازحف، اعبر بجسمك الصغير من تحت الباب.
الطفل- (يضحك، يقهقه) لماذا يا عم الركوع أو الانبطاح؟ لماذا الزحف على الأرض؟ لا لن أعبر من تحت الباب مثل دودة، لا، أنا لن أفعل هذا، انظر، انظروا، أنا سأزيح الباب، سأمزقه، سأحطمه، وأعبر، انظروا هكذا، ها أنذا قد عبرت.
الطفل يجذب الستارة الورقية المدلاة من السقف، ويجري بها في المنصة وهي تطير وراءه والممثلون يشيرون إليه مذهولين، ثم يقف في مقدمة المنصة، رافعاً يده إلى الأعلى، الممثلون ما يزالون واقفين في أماكنهم في عمق المنصة وقد أصبحوا كتلة واحدة جامدة.
أو يضرب الطفل بقبضته الباب الوهمي، فيسمع صوت تكسر زجاج، ثم يخترق الباب الوهمي ويعبر، ليقف في مقدمة المنصة، والدم يسيل من يده، والممثلون ما يزالون واقفين في أماكنهم في عمق المنصة وقد أصبحوا كتلة واحدة جامدة.
الطفل يلتفت برأسه فقط نحو الممثلين الجامدين، ويظل بجسمه مواجهاً للجمهور
الطفل - (بهدوء وحزن) هم لن يتحركوا، لقد أغلقوا الأبواب على أنفسهم.
الطفل يلتفت إلى الجمهور وهو يواجههم بجسمه ويده مرفوعة.
الطفل – عليكم أن تتحركوا، تحركوا أنتم، هيا، فلتفتحوا كل الأبواب، كل الأبواب، افتحوا الأبواب كلها، ثم حطموها.
تطفأ الأنوار
تتداعى الأبواب المصطفة في عمق المسرح، تسقط كلها
تسقط بقعة ضوء كبيرة على صورة الطفل في عمق المسرح
وتتألق صورة الشمس الكبيرة وراءه
يضاء المسرح كله
يتحرك الممثلون، يتقدمون من الطفل يرفعونه بأيديهم إلى الأعلى فالأعلى
مسرحية من فصل واحد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى