الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
مجرد تصور
بقلم إدريس ولد القابلة

مجتمع المعلومات بالمغرب

إن مفهوم مجتمع المعلومات هو مفهوم ناشئ ومتطور، تعمل على تحقيقه جميع المجتمعات، ويتعلم كل مجتمع من المجتمعات الأخرى في هذه العملية. وقد وصل مجتمع المعلومات الآن إلى مستويات مختلفة من التطور عبر مناطق العالم وأقطاره.

و لا مناص من أن تدرك الدولة الحاجة إلى تهيئة فرص متساوية تتيح النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها،و تأخذ على عاتقها الالتزام بالعمل على التغلب على الفجوة الرقمية التي تتمثل في الاختلافات الموجودة بين بلادنا و الدول الأخرى وفي داخلها بين الفئات الاجتماعية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي التعليم والصحة والنفاذ إلى المعرفة، والتي تعتبر عاملاً من عوامل هذه الاختلافات.

وعملاً على تحقيق النفاذ الشامل بتكلفة معقولة، من المهم تمكين الولوج الى التكنولوجيات الحالية والجديدة عبر تيسير التوصل إليها للجميع، خاصة من خلال مؤسسات مفتوحة للجمهور مثل المدارس والمكتبات والجمعيات و النوادي والمراكز المجتماعية. و في هذا الصدد ينبغي إيلاء اهتمام خاص لكيفية استفادة الفئات المحرومة من مزايا تكنولوجي المعلومات والاتصالات، من خلال مبادرات خلاقةو دراسة وتشجيع وتقديم حلول تتلاءم مع بيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناطق الريفيةوإنشاء نقاط نفاذ عمومية وتهيئة فقرات هيكلية تقوم على بروتوكول الإنترنت باستخدام مرافق تحتية مبتكرة للاتصالات.

لذلك يجب أن تقوم تنمية مجتمع المعلومات على أساس معايير تقنية قابلة للتشغيل المشترك ، تكون متاحة للجميع، وابتكارات تكنولوجية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك أنظمة تساعد على تبادل المعرفة على الأصعدة العالمية والإقليمية ودون الإقليمية باستخدام أي نوع من أنواع الوسائط. وفي ضوء الزيادة الحادة المتوقعة في حجم حركة الإنترنت دولياً وإقليمياً من المهم تقوية المرافق التحتية لشبكات النطاق العريض الدولية والإقليمية عملاً على إتاحة ما يكفي من السعة لتلبية الاحتياجات .

تعتبر مراكز المعلومات والاتصالات المجتمعية عنصراً حاسماً في تهيئة النفاذ الشامل إلى المعلومات والخدمات الاجتماعية خاصة في المناطق الريفية. وتعمل سياسات النفاذ الشامل على تهيئة أفضل مستوى ممكن من التوصيلية بتكلفة معقولة للمناطق المحرومة من الخدمات. ولا بد من رصد التقارب التكنولوجي بهدف تحقيق التكامل بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التقليدية والجديدة من أجل إيجاد أشكال بديلة للنفاذ يمكن أن تساعد على تضييق الفجوة الرقمية التي تفصلنا عن باقي الدول. كما أن إعداد التجهيزات اللازمة للنفاذ وعرضها بتكلفة منخفضة وتهيئة نقاط نفاذ مجتمعية للاستفادة من التيكنولوجيا هي معالم أساسية على طريق العمل على تقليل هذه الفجوة الرقمية.

وهذا يتطلب القطاع العام أن يقوم بابتكار سبل لإشاعة مجتمع المعلومات في جميع قطاعات الاقتصاد وقطاعات المجتمع خاصة بين الذين يعيشون تحت وطأة الفقر. ويقوم القطاع الخاص بدور مهم في تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإشاعتها، ويقوم المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، بدعم المبادرات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولا بد من تطوير التعاون والشراكة بين المؤسسات الحكومية و القطاع الخاص والمجتمع المدني تفعيل المبادرات بشكل فعال مع إعطاء الأولوية للموارد البشرية المتاحة محلياً.

و هذا يتطلب من جميع أصحاب المصلحة القيام بتعبئة الموارد من أجل تنمية مجتمع المعلومات، بما في ذلك زيادة الاستثمارات في المرافق التحتية للاتصالات وفي تحسين و تطوير القدرات البشرية، وفي وضع السياسات ذي محتوى محلي وتطبيقات تراعي فيها الثقافات المحلية .

و لعل من أجدى السبل إعطاء الأولوية إلى تدعيم المنشآت المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم من خلال إدماجها في الاقتصاد الرقمي. وفي هذا الصدد أضحى من الضروري تشجيع إقامة شركات قائمة على التكنولوجيا عن طريق آليات مثل الصناديق الاستثمارية ومجمعات التكنولوجيا والحاضنات التكنولوجية، علاوة على إشراك المؤسسات الأكاديمية ومعاهد البحوث في هذا المجال.

لكن لكي يستفيد الناس أكبر فائدة من مجتمع المعلومات لا بد أن تكون لديهم معرفة كافية ومهارات كافية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويتحقق هذا من خلال تعزيز برامج التعليم والتدريب على جميع المستويات، ابتداء من التعليم الابتدائي وحتى تعليم الكبار، من أجل إتاحة الفرص أمام أكبر عدد من الناس وخاصة الفئات الضعيفة و زيادة قدرتهم في مجال تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ويمكن أن تساهم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بنوعية التعليم والتعلم وتبادل المعارف والمعلومات و تطوير المهارات. و رجال و نساء التعليم يعتبرون في هذا الصدد بوابة مجتمع المعلومات و لذا ينبغي تقديم مزيد من الدعم لتنمية مهاراتهم في مجال المناهج الدراسية. ومن شأن ذلك أن يساعد على تهيئة فاعدة واسغة من المهنيين من ذوي التخصصات والمهارات العالية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخبراء في هذا المجال وهؤلاء هم الذين سيواصلون تكوين الأساس في تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد. ومن المسلم به أن التعليم في مجال تنمية مرافق الشبكات وتشغيلها يتسم بأهمية خاصة، وهو الأساس لتهيئة خدمات من شبكات المعلومات والاتصالات تتسم بالكفاءة والتنافس والأمان ويعتمد عليها.

ولا بد في بناء مجتمع المعلومات من إيلاء اهتمام خاص للشباب، الذي يشكل غالبية السكان و يمثل قوة دافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن شأن تزويد الشباب بالمعارف والمهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن يعدهم للاشتراك الكامل في مجتمع المعلومات، وهو أحد الأهداف الرئيسية لمجتمع المعلومات.

وتحتاج عملية الانتقال إلى مجتمع المعلومات تهيئة أطر قانونية وتنظيمية وسياسية تتسم بالصلاحية والشفافية . ويجب أن تولي هذه الأطر الاعتبار الواجب لحقوق جميع أصحاب المصلحة وواجباتهم في مجالات حرية التعبير والخصوصية والأمن وإدارة عناوين وأسماء ميادين الإنترنت، وحماية المستهلك، مع المحافظة على الحوافز الاقتصادية وضمان الثقة والاطمئنان لأنشطة الأعمال. وينبغي النظر أيضاً في وسائل بديلة لحل النـزاعات إلى جانب الإجراءات القضائية المعتادة، عملاً على تسوية المنازعات بدون تأخير. كمايجب تشجيع المنافسة باعتبارها أفضل وسيلة لخفض الأسعار وضمان استمرار تحديث الشبكات والخدمات.

من المهم في هذا الاطار كفالة التوازن بين حقوق الملكية الفكرية والمصلحة العامة. فحقوق الملكية الفكرية تؤدي دوراً حيوياً في تشجيع الابتكار في البرمجيات والتجارة الإلكترونية وما يرتبط بها من مبادلات واستثمارات، ولكن الأمر يحتاج إلى تشجيع المبادرات عملاً على كفالة التوازن المنصف بين حقوق الملكية الفكرية ومصالح مستعملي المعلومات.

و يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك إقامة المجتمعات المحلية الإلكترونية. ومع ذلك، فمن المهم ضمان استمرار العمل بالنماذج التقليدية واحترامها، حتى لا يتعرض الذين لا يستخدمون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتهميش. و في هذا المجال تيرز أهمية الحكومة الالكترونية و التجارة الالكترونية و التعليم الالكتروني و الصحة الالكترونية.

و فيما يخص الحكومة الإلكترونية ، فستساعد الأدوات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على جعل السياسات أيسر فهماً وأكثر شفافية مما يؤدي إلى تحسين عمليات رصد الخدمات العمومية وتقييمها ومراقبتها ويزيد من كفاءة أدائها. وتستطيع الإدارة العامة أن تستعين بأدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز الشفافية والمساءلة والكفاءة في تقديم الخدمات العمومية للمواطنين (التعليم والصحة والنقل وما إلى ذلك) وللمنشآت التجارية.

أما فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، فإنه بوسع المنشآت التجارية، كيفما كان حجمها، أن تستعمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتشجيع الابتكار وتحقيق مكاسب في الإنتاجية وتخفيض تكاليف المعاملات التجارية والانتفاع بإمكانيات الشبكات. ودعماً لهذه العملية يتعين على الحكومات أن تهيئ الإطار التنظيمي، من خلال توفير الخدمات التي تساعد على إيجاد بيئة مواتية، من أجل تشجيع تطبيقات ومحتوى الاستثمار الخاص، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومن جانب المستهلك يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تحقق زيادة في رضاء المستهلكين بفضل التفاعل مع أعداد كبيرة من الممونين المحتملين بدون التقيد الموقع أو المكان.

و بخصوص التعلم الإلكتروني، فإن النفاذ إلى المعرفة أمر جوهري لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكوسيلة للتمكين الشخصي والتنمية المجتمعية . وتتمتع شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بإمكانية تقديم فرص تعليمية غير مسبوقة لكل المجموعات في كل المواقع. ويتطلب تنفيذ برامج تعليمية شاملة بتكلفة معقولة تعزيز المحتوى وشبكات النطاق العريض والمعدات. وسوف يتم تدعيم إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطويرها في مختلف المدارس والمؤسسات التعليمية. ويمكن إن يستفاد من أفضل الممارسات في ابتكار مواد تعليمية من نوعية جيدة ويمكن الحصول عليها بسهولة من جميع أنحاء العالم لتسهيل نقل المعرفة إلى المستوى الوطني. و في هذا الصدد لامناص من ايلاء اهتمام خاص باللغات واستعمال وتطوير برمجيات الترجمة.

و فيما يرتبط بالصحة الإلكترونية، فإن النفاذ إلى معلومات وخدمات الرعاية الصحية حق أساسي. ويفتقر كثير من البلدان إلى وجود التسهيلات والعاملين في مجال الرعاية الصحية بقدر كافٍ خاصة في المناطق الريفية والنائية. ويمكن لاستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التغطية الاجتماعية لكل أفراد المجتمع بتمكينهم من النفاذ بصورة متساوية إلى خدمات الرعاية الصحية وبتمكين المواطنين من تنظيم شؤونهم الصحية بطريقة أفضل والمشاركة بفعالية أكبر في عملية الرعاية الصحية. إلا أنه ينبغي إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على نطاق واسع في مجال الرعاية الصحية من أجل تحسين استخدام الموارد، وإرضاء المرضى، وإعطاء طابع شخصي للرعاية الصحية، والتنسيق بين أنظمة الرعاية الصحية العامة والمؤسسات الخاصة والقطاع الأكاديمي. ويجب التوصل إلى حلول مبتكرة وخيارات لتقديم الخدمات الصحية في المناطق التي تعاني من قلة الخدمات. وسيكون من بين الأولويات الأخرى في مجال الصحة الإلكترونية توفير خدمات الوقاية والعلاج ومكافحة انتشار الأمراض، وخصوصاً المعدية منها.

و في هذا الاطار فإن التنوع اللغوي والثقافي يساعد على إثراء عملية النهوض بالمجتمع عن طريق التعبير عن مجموعة من القيم والأفكار المختلفة. ويمكن لهذا التنوع و التعدد أن يساعد على انتشار واستخدام المعلومات عن طريق تقديمها باللغة والسياق الثقافي الأكثر اعتياداً لدى المستخدمين، الأمر الذي يساعد على تشجيع استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

لكن ينبغي للسياسة العامة المطبقة أن تشجع استحداث محتوى معلوماتي متنوع مما يساعد على حماية ونشر الثقافة واللغة والتراث على الصعيد المحلي والوطني. وللسلطات المحلية دور هام أيضاً في هذا الميدان لأنها تمثل بالنسبة للمواطنين المستوى الأول للاتصال مع الإدارات، فضلاً عن أن بإمكانها أن تشجع التنمية المحلية. ويعتبر تعزيز التنوع الثقافي والهوية الثقافية، بما في ذلك استحداث محتوى معلوماتي متنوع ورقمنة التراث التربوي والعلمي والثقافي، أولوية هامة في تطوير مجتمع المعلومات. وينبغي كذلك تشجيع البحوث المتعلقة بالتأثيرات الاجتماعية والثقافية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

و هذا أول ما يتطلبه توصيل مخنلف المؤسسات و الشركات و الادجارات و الجامعات و المؤسسات التعليمية و المهنية بشبكة الأنترنيت و المستشفيات و المختبرات و وجود موقع و عنوان إلكتروني لكل الدوائر الحكومية المركزية و الجهوية و مختلف الادارات.

و لن يتأتى كل ما ذكر أعلاه إلا في إطار تنفيد استراتيجية من أجل تنمية مجتمع المعلومات يشارك في بلورتها و إغناءها القطاع الخاص و المجتمع المدني قصد تطويع تلك الاستراتيجية لتلبية متطلبات المجتمع المغربي و خصائصه البنيوية. و هذا بدوره يتطلب استثمار عمومي طويل المدى في مجال البحث و التطوير و الدراسات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى