الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم موسى حوامده

حكمة الموسيقى

لن يتوقف الزمن عند بداية الرزنامة،

لن تتشبث الكرة الأرضية بهذا النهار، سوف تمضي في دورانها وحركتها دون ان تلتفت لأوهامي بالبقاء في هذا العمر،لا بحثا عن زهرة الخلود ولا توقفا لتنميط الوقت وتأطير اللحظة كانها صورة، بل رغبة في احتساء الزمن بشراهة لا تنضب، وطمعا في البقاء على قيد الصحة والعمر، لكن جلجامش لم ينل مراده، ولم يحقق إنسان معجزة الاحتفاظ بسر الشباب، ولذا ستقرع السنة كؤوسها كأسا إثر كأس، ولن تحتفظ سوى بأشلاء فارغة لبشر مضوا،دون أن يدركوا سرا واحدا من أسرار الكون، أو حكمة الفصول والوديان والأنهار، أو جدوى القشرة الأرضية، أو الغاية من زلزال سومطرة مثلا،او الدرس المستفاد من ظلم البشر العنصري للآخرين الضعفاء.

لن يتعلم أحد من سوء نية الزمن والمخفي القادم، وبدل أن يتخلصوا من حقدهم وكراهيتهم لأي سبب كان لبعضهم البعض، يتمسكون برغبتهم في فرض لونهم ولغتهم،وأسماء أبطالهم وحكاياتهم وبطولاتهم وفرسانهم وحكمهم وقيمهم على العالم بأسره، يريدون حكم الآخر، السيطرة على أرضه وتاريخه، كما فعلت كل قبائل الدنيا الهمجية،وكما صنعت كل الجيوش الغابرة المبنية على مبدأ السلب والقهر، سلب الآخر وقهره واستلاب حريته وحقه في التطلع إلى الشمس دون حكماء واوصياء وقيود.

لحظات من الزمن يعيشها الفرد متوهما أنه يحكم الكون، وأن إرادته ستكون أكبر من تقلب الأرض ودورانها وتغيراتها كي لا نقول غدرها وبطشها.

حين زمجر البحر، وانقض موجه على فلاحين فقراء وبسطاء، ومَحَقَ قرى كاملة،لم يتوقف الموج ليسأل أحدا عن اسمه ودينه أو لغته، وهي حكمة الموسيقى التي لا تتوقف عند أذن معينة لأنها هندية او عربية او يدين صاحبها بالبوذية او المسيحية، شلال الكون هادر بلا أفكار أو خزعبلات أو أوهام كتلك التي راودتني صبيحة امس، وهي مجرد أوهام لا تقبلها الأيام أو السنوات لأنها أيضا مطحونة بقسوة في مطحنة الفناء الذي يتغلغل حتى في ثنايا الناجين من براثن الزلازل أو الرصاص أو الظلم، فحتى القاتل والظالم والمحتل والمهيمن والنافذ سينتهي مثل ورق الشجر أصفر ناشفا، وسيعجز عن رد الزلازل والهزات داخل جسده، وسيذبل التقويم كما تتلاشى فقاعات الصابون تحت صنوبر الماء، كل شئ إلى زوال وفناء حتى السنوات التي ننفر منها ونبتعد عنها، ونحسب لها ألف حساب ونقيم لها الطقوس والاحتفالات، دون أن نلتفت إلى حكمة الكون القاتلة، (كل ما يمر ويعيش فوقي صائر إلى باطني، حتى الغربان والبوم وذرات الهواء العالقة في أجنحة الصقور).

سيمر اليوم والغد، وستكشف الرزنامة عن كوارث قادمة ومصائب مقبلة، ومن ينجو من زلزال أو عاصفة سيقضي بعد جرعة كيماوي أو صدمة نفسية، أو نوبة قلبية، فمن يعير الزمن أهمية سيسقط في فخه وسخطه، ومن يلتفت لطفل بائس ويمسح دمعة عن خد مريض او يتيم او طفلة بريئة أو عجوز متعبة، أو جائعة مهما كان لون بشرتهم ولغتهم، سيدرك حينها أنه تفوق بإنسانيته على التورايخ والإجندات والأحقاد والضغائن والتفاهات،

حبيبتي ؛

سنكبر وسنعبر سنة بعد سنة، من يعيش منا سيدرك أن الشمعة التي تحترق يختفي لهيبها إلى الأبد،وان الشمعة التي لم تشتعل بعد، ستبقى نارها كامنة فيها، حتى يجئ من يشعل فتيلها، ويسمو بعيدا عن كل الشعارات والتعاليم التي تفصل بني البشر عن الاحتفال حتى بالموت لأنه لا يختلف كثيرا عن أي طقس آخر يظنه البعض فأل خير أو مصدر سعادة.

لم تفهمي شيئا مما قلت، ومن قال لك أنني أكثر حكمة منك وفهما، ولكني أدعوك لتناسي الزمن لأنه قد يكون مثلنا ضحية عوالم خفية،.فلا تحقدي عليه ودعينا نمر به إلى يوم جديد مهما كان يحمل في جوفه من نار كامنة.

كل عام وأنت بخير على كل حال.

1-1-2005


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى