الأحد ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم رانية عقلة حداد

المجلات السينمائية

لا تخلو دولة عربية – باستثناء السعودية - من دور العرض السينمائية، والتي تعرض بشكل مستمر عدد كبير من الأفلام الأمريكية والمصرية والقليل غيرها...، إلا أن هذا الحضور لدور العرض لا يرافقه في عالمنا العربي بالمثل حضور المطبوعات السينمائية المتخصصة التي تُعنى بالشأن السينمائي على مختلف اوجهه، إنما هي في غياب شبه تام.

السينما (كوسيلة اتصال جماهيري) تشكل إحدى أركان عملية الاتصال الذي عماده أيضا: المرسل (صنّاع الفيلم)، والرسالة (مضمون الفيلم)، المستقبل (الجمهور)، والتغذية الراجعة (أراء الجمهور سواء المشاهد العادي، أو النقاد من خلال الأراء النقدية الموضوعية التي يكتبونها)، وأما هذه الأراء النقدية، فتحتاج إلى منبر يتواصل من خلاله معها صنّاع الفيلم، والمشاهدين على حد سواء، وهنا تكمن أهمية توفر المجلات السينمائية المتخصصة، فغيابها يبقي أحد أركان الاتصال معطلا نسبيا، والذي يمد بدوره صنّاع الفيلم بتغذية راجعة حين تقيم أعمالهم، وتحدد نقاط القوة والضعف فيها، من أجل الاستفادة للمرات القادمة، فلا يعد حجم إقبال الجمهور على الفيلم (شباك التذاكر)، وحجم ايرادات الفيلم معيارا وحيدا على نجاح أو سقوط الفيلم.

كما أنها – الأاراء النقدية- تلعب دورا في التنظير لاتجاهات سينمائية جديدة، كما كان الحال مع مجلة "الكاييه دو السينما" الفرنسية في منتصف القرن الماضي.

من ناحية آخرى توفير منبر تنشر من خلاله الأراء النقدية والدراسات السينمائية وكل ما يخص الحركة السينمائية، يلعب دورا مهما في خلق وتشكيل الثقافة السينمائية للمشاهدين، والارتقاء بذائقتهم السينمائية، ومن هنا لا تقتصر أهمية اصدار مجلات سينمائية فقط على الدول التي تمتلك صناعة سينمائية.

مغامرة أصدار مجلة

لا شك أن أهمية وجود مثل هذه المجلات السينمائية، لا تغيب عن ذهن عدد لا بأس به من النقاد، أو الفنانين أو المثقفين أو الاعلامين أو المؤسسات الثقافية... فكان من بعضهم أن غامروا باصدار مجلات سينمائية متخصصة في مناطق مختلفة من الوطن العربي، وإذ أقول غامروا فلأن هذه الجهات تعي تماما - من وحي التجارب السابقة - أن أغلب المجلات السينمائية التي تم اصدارها توقفت بعد فترة زمنية طالت أو قصرت قبل أو بعد أن مُنيت بالخسائر المادية، فالعقبة الحقيقية التي تقف في وجه اصدار المجلات السينمائية هي العامل المادي (التمويل)، ولم يقتصر توقف اغلب المطبوعات ذات التمويل الخاص، انما ايضا التوقف شمل عدد من تلك ذات التمويل الحكومي، وتعتبر مجلة "الحياة السينمائية" التي تصدر عن المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة السورية من المجلات القليلة أن لم تكن الوحيدة الناجية نسبة لعمرها الذي يتجاوز الثلاثين عاما، وقد احتفلت قبل مدة قصيرة بعددها الستين، وما يتبقى تعد مجلات حديثة العمر نسبيا مثل: "عالم السينما" التي تصدر عن جمعية النقاد في مصر منذ 2006، و"سينماغ" التي تصدر عن جمعية النقاد في المغرب منذ عام 2006، ومجلة "ملفات السينما" التي تصدر عن المدرسة العربية للسينما في الناصرة منذ 2007...

كما أن هناك تحديات اخرى قد تواجه اي جهة تحاول اصدار اي مطبوعة سينمائية جديدة، كالسؤال عن النوعية التي على المطبوعة أن تكون عليها، ومن هي الفئة المستهدفة، هل هم المهتمون والباحثون والدارسون والفنانون والنقاد انفسهم، ام فئة الشباب من هواة وعشاق السينما، بالتالي هل المواد ستكون عميقة، تعتمد الدراسة والتحليل، ام سهلة تعتمد اخبار الفن واهله يسهل معها تسويق المجلة (كما كان خيار بعض المجلات) ام تجمع الاثنين معا.

كما أن التجارب السابقة ابرزت التحديات التي تقف في وجه اصدار أو بقاء اي مطبوعة سينمائية، كذلك توحي ببعض الحلول؛ كاصدار مطبوعات ممولة من القطاع العام، أو أن يشارك القطاع الحكومي بجزء من تمويل المجلات التي يصدرها القطاع الخاص، أو من خلال دعم بعض مؤسسات المجتمع المدني أو الشركات الخاصة الكبرى لهذه المطبوعات سواء كان ماديا مباشرا أو غير مباشرا من خلال الاشتراك والاعلان فيها. بالاضافة إلى دعم الفنانين والمنتجين من خلال التسويق والاعلان لانتاجاتهم فيها ايضا، كذلك ايجاد سوق عربية لتسويق تلك المطبوعة، علاوة على مراعاة أن تناسب مستويات مختلفة من القراء، لتوسع دائرة جمهورها دون أن تقدم تنازلات على مستوى قيمة المطبوعة المعرفية، لربما أن هذه المعادلة صعبة قليلا لكن ممكنة ايضا.

مزيد من التحديات

الا أن هناك تحديات اخرى (غير العامل المادي ونوعية المطبوعة) امام اي مطبوعة سينمائية تصدر أو ستصدر، فهل ستتمكن من الصمود في ظل وجود مواد يمكن الحصول عليها مجانا على الشبكة العالمية للمعلومات (النت)، بالمقارنة مع اسعار المطبوعة المرتفع نسبيا ما لم تدعمها الدولة، وهل ستتمكن المطبوعات التي تصدر دوريا من مواكبة السرعة التي تتناول فيها المواقع والمدونات السينمائية على النت؛ الاخبار أو المراجعات النقدية للافلام الحديثة؟

رغم كل تلك التحديات يبقى اصدار مطبوعات سينمائية جديدة بشكل منتظم وطويل الامد ضرورة نتطلع إلى تحقيقها، كما نصبو إلى توسيع دائرة توزيع المجلات السينمائية القليلة التي تصدر حاليا في بعض البلدان العربية فتخرج عن محليتها وبالوقت ذاته تفتح المجال لاكبر عدد من الجمهور العربي المتعطش لمثل تلك المجلات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى