الأربعاء ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم رضا سليمان

النص الإذاعى الكوميدى

نعرض لأحد أهم ألوان الكتابة للإذاعة وهو الكتابه الكوميدية والتى تجذب قطاع عريض من الجماهير العربية والدراما الاذاعية لها النصيب الأكبر ليس فقط فى نسبة الاستماع وإنما فى حصد جوائز المهرجانات وسعى وسائل الانتاج الأخرى من تليفزيون وسينما لتحويل هذه الأعمال الكوميدية الاذاعية إلى أعمال تليفزيونية وسينمائية.

من الأمور المهمة والتى يجب الاشارة إليها هى أن المادة العلمية فى مجال الكتابة للإذاعة تكاد تكون معدومة وكل ما هو موجود فى المكتبة العربية عن الكتابة للإذاعة مجرد سطور فى بعض الكتب الأكاديمية بعيدة تماما عن أرض الواقع وهذا ما يجعل الكثير من الكتاب العرب وخاصة الكاتب المبتدئ، بعيدين كل البعد عن الكتابة للإذاعة وخصوصا الكوميدى منها وهنا نقدم هذا البحث لعله يكون بداية أو شمعة تنير ولو القليل.

تعتمد الكوميديا الإذاعية فى البداية على نص يتسم بخفة الروح مع العمق الفكرى، و للأسف الشديد هناك من يعتقد أن النص الكوميدى ما هو إلا مجموعة من الإيفهات يتم رصها وفقط، وهذا هو السبب فى أزمة الكوميديا الحالية، فإذا تم الالتزام بمعايير الجودة من خفة روح وعمق فكرى كان النص جيدا، وهناك عناصر لجودة النص إن توافرت، أما عدمها فى النص الدرامى كان من شأنه إضعاف النص ومنها:

1- السطحية والعمق: قد تكون فكرة واحدة لكن المعالجة تختلف، فهناك من يقدمها سريعا حيث يعرض القشور وهذا لا يمتلك القدرة على الغوص فى الأعماق، وهناك من يقدمها بشكل متكامل حيث دراستها من كافة الجوانب مع الشرح الوافى الملتزم بالتوثيق العلمى والمنطق والمبادئ الأخلاقية.

2- حجم الموضوع ( قضية خاصة – قضية عامه ) فإذا كانت الفكرة عامة وتمس قطاع عريض وتم تناولها بشكل جيد نالت النجاح، أما إذا كانت قضية خاصة لا تهم قطاع عريض من الجماهير فإنها لا تنال النجاح المطلوب، وقد تكون الفكرة خاصة و لا تمس جمهور عريض ولكنها كمعلومات أو كوميديا تجذب قطاع عريض، فعلى سبيل المثال قضية أزمة رغيف الخبز تهم الجميع لكن قضية زراعة القمح لن تجذب نفس الجمهور، ولكن إن تم تناولها بشكل علمى يوضح أنها السبب فى أزمة رغيف الخبز الذى يعانى منها الجميع فسوف تنال الجماهيرية المطلوبة، أو إن تم تناولها فى قالب كوميدى ساخر فسوف يؤدى الغرض المرجو ولا شك.

3- الابتذال: كثير من الأعمال الحالية التى يطلق عليها أنها دراما كوميدية يلجأ أصحابها إلى الابتذال حيث الاسفاف اللفظى والخلقى وذلك فى محاولة مستميته لاضحاك المتلقى لكنه يفشل وإن حصل على ابتسامات أو ضحكات فإنها لن تستقر فى أعماق المتلقى الذى سريعا ما ينساها، ناهيك عن اللجوء إلى الألفاظ الخارجه أخلاقيا أو استخدام العامية الغير جيده..

4- التوشية: وهى التنميق والتزيين للفظ والجملة، فهناك من يقوم بالكتابة المباشرة التى تعتمد على المعلومات الغزيرة والأحداث ويفقد عنصرا مهما ( التوشية والتنميق ) يساعده فى أن يجعل نصه من النصوص المتميزة، ودائما ما أشبه ذلك بأن النص كقطعة من الذهب وهناك صائغ يصوغها سريعا كحلية بسيطة وهناك من يبذل فيها من الجهد حيث الدقة فى النقوش حتى يصل بها إلى درجة غاية فى الجمال، فلا جدال فى أن الأخيرة هى التى ستلفت الأنظار ويقبل عليها الجميع.. وتوشية الألفاظ والجمل من الأمور البسيطة ولكنها تحتاج إلى عبقرية فى التنفيذ حيث جعل اللفط يحمل أكثر من معنى، فالاسقاط الهادئ يفيد العمل ويجعل عقل المتلقى يبحث ويتأمل وبذلك يستقطب العمل الجمهور وقت الاستماع وأوقات أخرى.
5- الابتعاد عن الجمل الطويلة: فالجمل الطويلة تجعل الممثل يهتم بها أكثر من اهتمامه الشديد بالأداء خشية من انتهاء الهواء فى صدره قبل انتهاء الجملة، وإن كان من الضرورى أن تكون الجمل طويلة فمن الممكن أن يتم تقطيعها بشكل جيد من خلال التداخل بين الممثلين حيث يٌظهر الأخر دهشته أو يعلق على كلمه وبذلك يبرز المعنى وفى نفس اللحظة يريح الممثل الأول للحظة يلتقط فيها أنفاسه ليقدم الجملة التالية بقوة أكثر وبشكل أفضل. وهنا سوف أذكر مثال بسيط للتوضيح:

صديق ما تفكها بقى يا عبد العال.. مالك يا أخى ؟
عبدالعال زهقان.. حاسس بملل..
صديق كله على دا الحال.. مش إنت لوحدك..
عبدالعال طب وأخرتها ؟
صديق أدينا عايشين يا صاحبى.. واللى يمشى ع الكل يمشى علينا..
عبدالعال بس دى ظاهرة خطيرة ومش لازم تعدى كدا يا عالم.. الملل.. والزهق.. دول بيخلوا الواحد يشتغل من غير نفس وما حدش بيهتم بحد وفى النهايه كلنا بنقع، إحنا كلنا فى مركب واحده، ومش لازم نسكت على ظاهرة خطيرة زى دى، لازم كلنا نحط إيدينا فى إيد بعض ونشتكى اللى وصلونا لكدا..
- نفس المضمون ونفس الجمل تقريبا يمكن أن تصاغ بشكل أفضل يترك المجال للممثل حتى يؤدى بشكل أفضل وللمتلقى حتى تكون لديه المساحة للتلقى والفهم كما يلى:
صديق ما تفكها بقى يا عبد العال.. مالك يا أخى ؟
عبدالعال زهقان.. حاسس بملل..
صديق كله على دا الحال.. مش إنت لوحدك..
عبدالعال طب وأخرتها ؟
صديق أدينا عايشين يا صاحبى.. واللى يمشى ع الكل يمشى علينا..
عبدالعال بس دى ظاهرة خطيرة ومش لازم تعدى كدا يا عالم..
صديق اللى هى أيه ؟
عبدالعال الملل.. والزهق.. دول بيخلوا الواحد يشتغل من غير نفس وما حدش بيهتم حد وفى النهايه كلنا بنقع..
صديق كلنا ؟
عبدالعال أيوه.. إحنا كلنا فى مركب واحده.. ومش لازم نسكت على ظاهرة خطيرة زى دى..
صديق والله عندك حق.. طب والعمل ؟
عبدالعال لازم كلنا نحط إيدينا فى إيد بعض ونشتكى اللى وصلونا لكدا..
6- بداية المسامع: فى بداية المسمع الدرامى الإذاعى لابد من مراعاة عدة أمور حيث يوضح المؤلف بشكل غير مباشر: من هم المتحدثون وعلاقتهم ووظائفهم وكل ما يمكن أن يحتاجه المتلقى عن الموضوع كى يتم التعايش من أول لحظة مع العمل، ويجدر بنا أن نذكر مثال سريع وهو كما يلى:
الأم صبحى، إنت يا صبحى..
صبحى أيوه يا ماما عاوزه أيه ؟
الأم ما تصحى بقى، مش هاتروح الشغل ؟
صبحى هاروح يا ماما، بس كمان شويه.
الأم يا ابنى سيبك من الكسل دا.. أنا عارفه بسى إنت طالع لمين، المرحوم أبوك ما كانشى يحب القعده أبدا..
صبحى يا ماما طوالى تقوليلى الكلام..
الأم ما هو من عمايلك..
صبحى عمايلى أيه بقى، ما هو دا الحال اللى ماشى والشباب كلهم على دا الحال.
الأم اللى عاوز يشتغل ويكبر ما يبصش للى تحت..
صبحى يعنى أيه بقى ؟

الأم يبص لفوق.. لفوق يا صبحى.
وضح من خلال هذه الكلمات القليلة أن المتحدث شاب واسمه صبحى ويتحدث إلى أمه و يتميز بنوع من الكسل ووضح أنه يتيم الأب، وقد عرضنا نصيحة الأم للالتزام بمواعيد العمل التى من شأنها أن تؤدى إلى النجاح فى العمل، فتظهر مشكلة صبحى التى يعرض فيها معاناته كغيره من الشباب وعرضنا لرأى جيل الأباء والذى يسدى النصح للأبناء بالعمل والطموح وعدم التكاسل والنوم فى إشارة إلى أنه قد مرت فترة (فترة الأب التى انتهت بوفاته ) كان فيها العمل وعدم التكاسل هما الوضع الطبيعى..

7- نهاية المسامع: لابد وأن تكون النهاية بكلمات تجعل الممثل يٌلقيها بطريقة مقفولة ( طريقة الأداء ) وبشكل يشعر المتلقى معه أن هنا بالضبط نهاية المسمع ولا يجب إضافة كلمات أخرى، بالاضافة إلى أن تحمل نهاية المسمع إيحاء بالاستمرارية لجعل المتلقى ينتظر بشغف بقية الأحداث، وطريقة إنهاء المسمع تفيد بشكل حيوى جدا فى الدخول بالموسيقى الفاصلة أو الانتقال إلى المسمع التالى أيا كان الفاصل المستخدم حيث تكتمل الصورة الجميلة التى نسعى جميعا خلفها

8- المضمون: لابد أن يحتوى كل مسمع درامى على حده، على جديد من المعلومات أو الأحداث، فالابتعاد عن صلب الموضوع وملئ المدة بجمل حوارية مستهلكة تٌفقد النص جودته، فالمتلقى قد شبع من الجمل الاستهلاكية، فمثلا لا ضرورة أبدا فى أن يبدأ المسمع كما يلى:

عادل مساء الخير يا مصطفى.
مصطفى مساء النور يا عادل.
عادل قولى عامل أيه ؟
مصطفى كويس الحمد لله وإنت عامل أيه ؟
عادل أنا بصراحه مش ولابد..
مصطفى ليه بس، فيه أيه ؟
عادل عندى شوية مشاكل كدا..
مصطفى مشاكل فى البيت ؟
عادل لأه، مشاكل فى الشغل..
مصطفى خير يا أخى، طمنى، فيه أيه ؟
عادل المدير بتاعى...
( ويبدأ فى سرد الأحداث المتعلقة بالمشكلة !!) كل ذلك حتى يبدأ فى المضمون، أحسب أن من الجودة أن يتم الدخول مباشرة إلى المضمون كما يلى:
عادل مساء الخير يا مصطفى.
مصطفى مساء النور يا عادل.. أيه ؟ مالك، شكلك متغير كدا ليه ؟
عادل المدير بتاعى..

( ويدخل فى المضمون مباشرة بعيدا عن الجمل الاستهلاكية..)

وعبقرية المؤلف تجعله باستمرار يقدم القيم والأفكار والأحداث وإن كانت عامه إلا أنه يستطيع ربطها بمضمونه الفكرى وبالتالى يجعل المتلقى باستمرار معه فى حالة يقظه ومن الضرورى استخدام التحليل النفسى فى الشرح ( ليس التحليل العلمى المقعر ) حيث المنطقية فى الأحداث بالاضافة إلى الاستشهاد بالمواقف المشابهه للتأكيد على المعنى.

9- الأسماء: يفضل أن تتسم أسماء الأشخاص فى الكوميديا بخفة الظل وتتناسب بشكل كوميدى مع تركيبة الشخصية وعملها.

كانت هذه رؤية خاصة عن الكتابة الكوميدية للإذاعة نضع بها أولى بذور المادة العلمية للكاتب العربى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى