السبت ٣٠ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

انكسار

ترهقك ظلال حاضرك الحزين، تكتئب أعماقك اكتئابا ضاربا جذوره في العمق، تمتد أيادي الحيرة إليك ساخرة، مشوهة، متعفنة، تشهر في سماء عينيك سيوف خيبة طاغية، وخناجر يأس مزر فتاك.
تنتحب بدواخلك المهجورة طفلا مصابا يتعثر، وبهوس غريب تعانق همساتك الضائعة المحملة بألف معاناة، وجرح، تمسح بعينيك الشاردتين أفواه أبنائك العشر التي تصرخ في شبق جنونها طالبة اللقمة منك.

تتشابك أفكارك المتضاربة في الأوج كخيوط العنكبوت، تنغرز الآلام الشرهة في جسدك المتعب كالإبر، تملأك الضجة، تتشرد بين الحلم والوهم، تمطرك أشواك الصدى من غير رحمة، وتبتلعك فوهة الفراغ، وتذوب كقطعة سكر في كوب شاي ساخن.

تلفك زوبعة التعب والانهيار وأنت تسند رأسك المكور إلى هدأة الليل ومخاوفه، تحاول جاهدا إغماض عينيك، وأن تلتقط أنفاسك الجريحة، المبعثرة، وأن تلتمس هدوءا أزليا نرجسيا ينسيك صخب الجزع، وفوضى الأشياء المهملة، وانتكاسة الروح.

يمتلء جسدك ضياعا، تتفجر في أعماقك المهزوزة، الراعشة براكين ثائرة، مدمرة من الألم، وتتلون نظراتك الهاربة بالمتاهة، والفراغ، والانكسار.
بالأمس قالت لك ابنتك (سميرة) وفي نبرات صوتها الحاني تنمو الأماني تباعا، وتصدح الطيور: إني أحلم بمئزر مدرسي جديد لأرفل فيه، وأبدو بشخصية الطالبة.

ودنا منك (مراد) الذي يصغرها بعامين وفي عينيه البنفسجيتين ينتحب مساء حزين: وأنا أريد محفظة وأدوات.
نطقت(فريدة) وفي وجهها الداكن السمرة ترقد حيرة أبدية: طردني المعلم لأنني.....
لم تكمل قولها لأن هذا لا يفيدها في شيء، لقد أخلدت تماما إلى برودة الصمت منهزمة.

ــ وأنت ماذا ينقصك يا(رشاد)؟

ــ بدلة رياضية أنيقة.

تمتد فوق رأسك أصابع الحيرة، تدور في حلقة مفرغة من الخذلان، والرتابة، والهواجس، يرهقك ظلك، تحس بالمقت، بالقيء، بالغثيان، تحاول الفرار من عالمك المتذبذب إلى قلب العدم، تدخل يدك في قعر جيبك، ترتجف أصابعك الخمس وهي تغوص غوصا ماهرا في اللاشيء.

ــ إبنك(عماد) يكاد يذوي من آلام بطنه(هتفت الزوجة التعيسة والزمن المريض يسكن تجاعيد وجهها من غير حياء)

تولول رياح السنين الغاضبة في كهوف دنياك، يصفعك الواقع المر بكل تناقضاته، وانكساراته، تنزف شرايينك دوامة الانفعال، وفجأة تقفز من مكانك، تسوق قدميك إلى حيث تشاء، وتعانق بشغف قرص الشمس البرتقالي، وتركن لبريق الوجود ودفئه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى