السبت ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم زياد يوسف صيدم

أمنيات رجل مختلف (7)

تماوجت في فكره تلك الهواجس التي ملأت رأسه حتى فاضت حيرته، وتدفقت تساؤلاته عن سر تلك الهلوسة التي تراءت له من وفاء.. حتى تأكد بأنها لم تكن سوى غيرة امرأة نتيجة بوح عابر بلا تفاصيل لماضي أحمد، ساقها من خلال تأكيده لحبها الجارف في أعماقه، فهو الذي يكتم أسراره حد الغموض في علاقاته الغابرة والحاضرة، مما جعلها في شك، فانبرى عقلها يتفتق عن خربشات ليس لها أي مبرر في تلك الليلة... قهقه أحمد لاحقا بعد أن أوضح لها ما كانت عليه شكوكها مفندا ونافيا أي من مسببات غيرتها التي تفجرت بعفوية تامة داخل قلب امرأة عاشقة متيمة، يفيض كيانها حبا خالصا مما جعلها تتسم بليلة مختلفة حقا ...

لقاءات تتجدد، همسات من نار تلهب المشاعر، لكنها في نفس اللحظات تزيد القلوب حزنا نتيجة اختلاط الأماني والأمنيات بواقع شديد القسوة يحول دون لقائهما المرتقب... انتظار يومي على أحر من الجمر، كي يتنفس الاثنان عطر الجوى المتهدل من عطش همساتهما، متشحا بأكاليل من عشق وهيام، متزينا بكل مباهج القلوب النابضة، متخذا من عبق الياسمين والجورى عطره العبق... لكن القدر يأبى عليهما سعادتهما كما اعتاد عبر تاريخ العشاق، إلا أن يبصم بصماته غير المحسوبة والمفاجئة !...
كان وقعها على مسامعه كصاعقة هوت من غيوم سود مزمجرة برعد وبرق يرجف القلوب ويتخطف الأبصار، في حلكة ليل تطرزه خيوط الحرير الناعمة الزاهية ألوانها، وتحيكه بالصبر على بعاد يفيض وجده فتمور النفس وتفور، تنتفض وتثور شوقا واشتياقا للقاء.. فلا سواد الواقع وعذاباته ، ولا دمعات القلب ستقتل الأمل، فدع روحك يا حبيب القلب تنمو ليتسع فضاؤها وتتجلى بالحب والأمل والرجاء.. كان حديثه لها بعد سماعه عن قسوة وجبروت الأقدار التي تفتك بالبشر ؟...
همست له بشفافيتها وطيبتها بأشياء تخصها من معاناتها القائمة والملازمة لها .. فانفطر لها قلبه، وارتعشت أطرافه، وتدفقت مشاعره جارفة، واهتز كيانه، ليبدأ في تلاوة ترانيم صلاته وتهجده متمتما: أيعقل هذا الحنان الدافق أن يكون من المعذبين في الأرض؟.. أيعقل بان هذا الفكر والعطاء أن يكون نهايته معلقة بين السماء والأرض ؟.. أكان كابوسا خانقا يتراءى في حلمه، أم سراب في صحراء عطشه !!.. يتلعثم أحمد فيتصبب عرقا، تزداد ضربات قلبه تخفق بين ضلوعه حزنا، يتشتت عقله وفكره، يسافر بعيدا هناك حيث لا مسافات أو حواجز أو قيود، يحتضنها ليمنحها دفأه وشعور بالأمان.. يحط على كتفها كعصفور يتلمسها بجناحيه الحانيتين، يمسح دمعها، يجبر انكسار حظها، يغرد لها ألحانه لتطرب لها، فتهدأ سريرتها لتعود لها ابتسامتها الساحرة، فتخط له رسالة الصباح والمساء كما عودته، فيداعب ذكراها في كل ساعة من النهار، حتى يلقاها في ليل بهيج يمتد حتى الصباح ...

كانت تناجيه، تشكو وحدتها... قفر وخواء أوقاتها قبل أن يتخذ في قلبها عشه ومسكنه، يبدأ في عزف ألحانه وأشجانه فتخرج للوجود سيمفونية بديعة، لم تعزفها أي اوركسترا بعد على وجه الأرض...إنها مزيج واندماج من ألحان حزن وفرح وأمل ورجاء، الحان تبعث في الروح حياة، تكسو البستان حلته من ألوان الربيع، تلبس الكروم دالياته فتحولها إلى شهد من رحيق عذب ينعش الفؤاد، ويفتح أبواب الإلهام والإبداع، يمتزج بحرارة شفاه تناجى سهاد الليالي الموحشة، فتحيلها أفراحا وسعادة...

تهاجم أفكاره عشرات من الأسئلة التي لم تجد أي إجابات منطقية، يحاول أن يسلسلها في رأسه، لا ينجح.. فالألم أكبر من أن يوصف، والقهر أكبر من أن تحطمه الأمنيات وحدها، والبعاد أشقى من أن تمحوه دموع الحسرة، والعجز أعجز من فعل شيء يغير من هول العذاب، مما غمسه في تيه وتشتت...

يبدأ في ترانيمه بصمت، يتوسل القدر بان يقف هنا، لا تتحرك قيد أنمله.. فهل ستلبسني ثوب الحداد في كل ليلة.. فتحرمني زقزقة الدوري هنا كما هناك..! .لا يعقل أن تكون بهذه القسوة الدائمة عبر تاريخ البشر.. لأنك في معظمك من صنع أيادي الإنسان نفسه .. لكنك هنا تعلنه بكل وضوح بأنك من الأقدار المكتوبة على الجبين ولا راد من قضائك .. فيركع ساجدا أحمد لخالق الكون وباعث الحُب والأمل والشفاء، يدعوه ويستجير به، يتضرع بان يحفظ له حبيبته وفاء من كل سوء.. فهل يستجاب لدعائه وتوسله في سجوده وترانيم صلاته .. وهل يستطيع أن يغير قدراً مكتوبا ليس من صنع أيادي البشر؟ كان تساؤله يتكرر في بواطن عقله.. فلن يضمن ليله حين يكتسح السكون أرجائه، ويبدأ ارتعاش الألم يعصف بكيانه، فيسطر أحمد حروفه:

أحبّكَ، في شغاف القلب، نبض يسرى، يمتزج في دمي وعقلي فهل وصلت رسالتي ؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى