الأحد ٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم محمد جميح

الراعي

إليكَ...مثلاً أعلى
كتلة من ضياءٍ
تدلت من الأفق ذات مساءٍ
فمد لها الناسُ أرواحَهم ودنتْ
قشـَّرتْ نفسَها
أخرجتْ كلَّ أكمامها
ارتجَّ في قلبها الحُبُ وانداحَ
وانهمرتْ خـَطَراتُ الغمامْ
***
كتلة من ضياءٍ هَمَتْ من حراءٍ
ونادتْ وقد رَفَّ من تحتِها وهَجُ العـُشـْب:
يا أهل هذي المراعي لقد جاء سيدُكم جاء مسكُ الخِتامْ
***
عُشبة من ضياءٍ تداعتْ جميعُ المراعي إليها
فـَسَالتْ ببطحاءِ مكـَّةَ أودية
من سلامٍ ونورٍ يغسل كعبتها من غبار الظلام
***
حين جاء...
تداعتْ إليه البراعمُ والصخرُ والناس
حنَّت جذوعُ النخيل إليه وقد هزها فتساقط منها الندى
وارتوت مريمٌ
عَمَّدتْ طفلـَها ثم قالت: عليك السلام
***
عندما جاء...
جاء الثغاءُ الذي في المراعي
يُلـَملِمُ أطرافـَهُ ويسير إليه مع العشب
والعشبُ يغسل أهدابه في يديهْ
وهو يدنو بآنيةَِ النور كي تتوضأَ كلُ الخلائق
تنضحَ أرواحَها بالصلاة عليهْ
والضياء الذي في قناني البكورِ
يمدُّ إليه يديهِ ليُطلعَه ثم يدفعه للشروق
الشموسُ تصبُ الوضوءَ أشعتـُها
تتمسح ما بين أهدابه ثم تنهلُّ عن ثغره ألقاً مورقاً وابتسام
***
عندما جاء...
جاء اليتامى بآبائهم
والبناتُ الوئيداتُ قـُمْنَ إليه يُربـِّتُ أكتافـَهُنَّ
وينفضُ عن شعرهنَّ غبارَ الجهالاتِ
يا أيها اليتمُ كيف يصير اليتيمُ أباً لليتامى
ومأوى الوئيداتِ
كيف يصير حمىً لا يرام
***
ذات يوم وطه يسير إلى الله
حَطـُّوا له الشوكَ
طه يسير ولا يُبصرُ الشوك
والشوكُ يخرج أكمامَهُ
يتراقص في الدرب يمسح أقدام طه
يضمُّ ويلثمها في هيام
***
عندما سار طه على الشوك
صار الذي كان شوكاً ثـُمام
صارت النار بردا،ً وصارت سلام
***
الجياعُ يمدون أمعاءَهم
لا أكـُفَّ لديهم
ونارُ الطواغيتِ مغروسة في العروق
وطه بيمناه يحلب من شاتِهِ
ثم يملأ أمعاءَهم لبنًا حكمةً
ويُسَوِّي الحِجارَ على بطنهِ
ويشدُّ الحزام
***
الجياعُ هنا يأكلون
وطه يجوعُ ليصنع من نار أحشائه للجياع الطعام
***
الدموعُ التي حاصرتها المحاجرُ جاءت تمرِّغُ ذراتـِها في يديهْ
الدماءُ تسافر من كل شبرٍ بأرض الحجاز إليهْ
الدماء تلاقي شرايينها عنده وتعبئها بالحياة
الدماءُ تقبله وتصلي عليهْ
***
الرعاةُ يَحُطـُّون أعينـَهم والعِصيَّ على باب غار حراءْ
الرعاة يجيؤونهُ فيناولهم قهوة هبطت في فناجيلَ مصنوعةٍ من تراب السماءْ
الرعاة يسيرون
موسى يقول امكثوا سوف أقبس من نورِهِ
وأحطُّ عصاي لديهْ
ولا ذئب في الشعب
كل الذئاب التي مزَّقت ثوبَ يوسف، قطَّع طه مخالبها
خاط أفواهها
ليس في الشعب غيرُ الحمام
***
عندما كان يوسفُ في الجُبِّ
كانت دواليهِ تنهلُّ ماءً ملائكةً
ونعاساً يهدهد أحلامَهُ الوالهات
ومن كان في الغار ينهلُّ من قلبه ألقٌ حكمةٌ
ونجومٌ تغلغل أبيضُها في مدى روحه اللازوردي
والماءُ يأتيه من حوضِهِ
في أباريقِ ضوءٍ يصبُّ على شفتيه رحيقَ الكلام
***
الكليم يجيئ إلى قلب طه مساءً
ليقرأ في لوحة القلب توراتـَهُ
ويرى طيف أغنامه وعصاهْ
ويلُمُّ بقية تابوته وصدىً من كلام الإلهْ.
***
المسيحُ توضأ من فيض طه
توكأ في بهو أشواقهِ
وتوارى عن الجند في روحِ طه الذي مدَّ فوق المسيح رِداهْ
ات يومٍ أتاه الملائكُ كي يغسلوا قلبه فاستحموا بأشواقِهِ
كي يَشـُقـُّوا فؤادَ الصَّبيِّ فجاسوا خلال العروق
وجاؤا الفؤادَ
وقد نُسجت من دمٍ أخضرٍ فيه سجادةٌ للصلاة
***
عندما طلبته السماءُ إليها أعَدَّتْ له مهرجاناً من النور
كانت بناتُ السماء يـَقِفـْنَ على جنبات الدروب
ويَنـْثـُرْنَ من قِطـَع الفرح المتساقط بين يديهْ
الشوارع مرصوفةٌ بالمحبة، مغسولةٌ بالتسابيح
تكنسها حُزَمُ الضوء
أرصفة المدن الخالدات مشجرة بالأناشيد تنثرها الحوريات عليهْ
***
الملائك حَفـَّتْ بموكبهِ
بسطتْ ريشـَها في تـَحيَّةِ سيدها إذ يسيرُ إلى العرش
والحُورُ ينـُظـُرنَ من سُجُفِ الخـُلد يَحْدُجـْنـَهُ بابتساماتهن تـُعَرِّشُ من حولهِ
والنبيون ساروا على وقع أقدامِهِ
وهو ملتفعٌ بجلالٍ من الصمت
يملؤهُ العشقُ تـَحْدوهُ أشواقـُهُ
واللواءُ بيمناه منعقدٌ والزمام
***
ياإمام الرعاة أوانك آنَ
وهذي الذئابُ وقد مزَّقتْ روحَ يوسف
قد راودتْ شهوةَ الجوعِ عن دمِهِ
والعزيزُ يُغـَلـِّقُ أبوابَهُ
والحِمى نـَفـَشـَتْ غنمُ القوم في حرثهِ والرعاةُ نيامْ
والزمان تثاءبَ
يا من تدثـَّر في وَجْدِهِ
جاء وقتكَ...
قم يا إمام...قم يا إمام
إليكَ...مثلاً أعلى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى