الأحد ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٩

حركتان... لا تتحركان

بقلم: مصطفى خداد

عندما أفكر في الكلمة لغويا أجد أن معناها مناف للسكون والجمود، فأعيد التفكير في الأمر مرة أخرى لكني أشك في مقدرتي اللغوية وكذا ثقافتي وما تعلمته، فأعود إلى المعجم العربي والقاموس المحيط، ولسان الــــــــعرب، وأساس البلاغة، لأجد الكلمة تنصاع إلى ما لا أرغب فيه فهي تطور ونمو.

أحس بألم في رأسي وتعتريني الحيرة وأتمنى أن أجد كتابا أومعجما أوحتى دليلا واهيا يعلل أن الكلمة تعني السكون والجمود التام، اهتز من فراشي، فأبحر في الشبكة العنكبوتية متخبطا بين المواقع الالكترونية، ألج هذا الموقع فأخرج منه محبطا خالي الوفاض، ألج الآخر لأصاب بخيبة أمل مفرطة، أتصفح مكتبتي الصغيرة في هدوء مصطنع فأجد الكل يتفق على أن الحركة نموسواء للأمام أوللوراء الخلف.

... لا يمكن... الحركة سكون وجمود وأملك الدليل على ما أقول، أقرر أن أجري مقابلات مع العامة والخاصة، والمثقفين والنـــــــــخبة والسياسيين، والعلماء والمشايخ وذووا الحكمة، والدجلة والمشعوذين والسحــــــــرة وقارئات الفناجين والأكف...

أبدأ رحلة البحث عن الحقيقة، عن جواب لهذا السؤال المؤرق، من هذا إلى ذاك، ومن تلك إلى تلك، ومن هنا إلى هنالك، لكنني أجدني في أخر المطاف أحمقا مجنونا يدوي في أذناي صدى الجواب المؤلم:

يا ولدي، إن الحركة تقدم ونمو وتطور وليست سكونا أو جمودا.

في غمرة هذه الحالة النفسية المزرية، وفي تتدافع الأفكار والأسئلة الموحشة، أجدني أفكر في الجنون بعينه فألحظ على الفور أني سألت الجميع إلا المجانين والحمقى.

اخذ على الفور دراجتي النارية ناسيا أن أضع الخوذة، أتوجه إلى مشفى محاذ لمدرسة للأطفال، ألج البوابة الحديدية فأطرق الباب الداخلي، يفتح رجل بدين بطيء الممشى، على لحيته أثار خبز يابس، قدماه لا تنتعلان إلا الأرض.

يبادرني بالسؤال على الفور: عمن تسأل أيها العاقل؟

ـ عن الحركة، أجل إني أسأل عن معنى الحركة فهي دليل على أنها جمود وسكون أليس كذالك؟
لما أنهيت الجواب، تعالت توا صيحات مجانين يفصلهم عن الساحة المركزية للمشفى سياج حديدي، أقدامهم حافية وأزيائهم مثل زي الذي فتح لي الباب، عرفت فورا أنه منهم، استغفل الحارس عندما سمع طرقاتي.

أجابني: إنك منا إذن، بل إنك أعقل البشر بالنسبة لي أنا، كأحمق كما يقولون عني، إنك على حق فالحركة سكون.

أجابني بسخرية وضحك متقطع وهو يمرر أظافره العفنة على رقبته السوداء المنتفخة ومن تم استطرد:

أتريد أن أبرهن لك أن الحركة سكون؟

أجبته بسرعة بالإيجاب، فطلب مني أن أمد له يدي ليرى كفي، خفت في بداية الأمـــــر لكنني ولحاجتي في الإجابة، سلمت له يدي فقلــــــبها وأخد يخطط في كفي بلون أحمر اعتقدت أنه دم خرج من رقبته المنتفخة، لكني بعد حين علمت أنه كان سائل فاكهة توت معصورة.

أجابني ويدي في قبضة يده الحديدية هو يقول:

ــ هل هذه يدك؟

ــ نعم

ــ وكيف عرفت ذلك

ــ عرفت لأتني أحسها وأراها جزءا مني

ــ وماذا عن الحركة؟ هل هي سكون أم نـــــمو وتطور؟

ــ الحركة سكون

ـ أحسنت

ترك يدي بسلام وأخد يفسر في ثقة زائدة:

الحركة سكون والدليل على ذلك أن مركــــــــز ومحور قضية العرب، تمثله حركتان منفصلتان لا تتحركان لا أماما، ولا حتى خلفا.

أجبته فقلت:

اتفق معك أنهما لا تتحركان أماما ولكن خلفا لا أظن.
استطرد:

الحركة للخلف ليست حركة بل سكون تجسده حركة السكون ذاتها.

فاجئني بجوابه الفلسفي هذا، إنه يعني ما قصدته أيضا في أن الحركتان لا تتحركان وأن الحماس ربما سيأتي يوم أبحث له عن مقابل أخر، كما هو الشأن لفتح الأبواب، الأبواب التي لن ترضى أن نستعمل كلمة (فتح) للتعبير عن تركها مجالا فارغا للولوج المجهول.

بقلم: مصطفى خداد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى