الأحد ١٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

ويبقى الأمل

أسرعت(وردة) في خطاها المتزنة لتلقاه هناك على الرصيف، كان(رشاد) بانتظارها متكمشا في معطفه الأزرق، البرد القارس جمد شفتيه، وحز في جسده كالمنشار، سعل بشدة، يبدو أنه أصيب بالزكام، ولم يتمكن من مقاومة لسعات البرد الشرسة. ما أقسى الشتاء! وما أفظع رعونته!

دنت منه، حيته التحية الصباحية الرقيقة، ثم سارا جنبا إلى جنب حتى كاد كتفه يلامس كتفها، لا يشعران بالارتباك أمام نظرات المارة طالما أنهما في حكم المخطوبين، وسيرتبطان عما قريب.

الثلج طفق يندف بغزارة غير معهودة، أسرعا في الخطو، واحتميا تحت شجرة قد تعانقت أغصانها ببالغ الحب، سيارة فارهة تمر أمامهما، أطلق(رشاد) زفرة عميقة من جوف صدره وقال: أحلم بسيارة فاخرة من آخر طراز، لو يتوفر لدي المال بكميات هائلة لحققت أحلاما شتى تعشش في خيالي لحد الساعة، ولعشت أسعد مخلوق، المال يا عزيزتي يفتح أمام المرء كل الأبواب الموصدة، أليس كذلك؟

ردت عليه بصوت يرضعه الأسف والانفعال: لست محقا فيما تقول، فكم من أناس يملكون الأموال الطائلة، ولكن السعادة الحقيقية لم تعرف سبيلا إلى مكامن قلوبهم أبدا. ليس المال هو النعمة بحد ذاتها، ليس هو كل شيء في الوجود كما تعتقد، لا تترك الفكرة الشائنة تسيطر على خيالك المجنح، وتمتص دماغك كالعلق لأن بتفكيرك هذا ستدمر نفسك لا محالة.

امتعض من كلامها، ولم يقتنع بما تلفظت، وراح مدافعا عن فكرته دفاعا مستميتا: الآن مثلا لو كانت في حوزتنا سيارة أنيقة لما اختبأنا تحت هذه الدوحة الباسقة تفاديا لسقوط الثلج. أليس هذا صحيحا؟
أكدت على ذلك بقولها: ليس صحيحا.
باندهاش: ماذا تقولين؟

فترت لقاءاته الحميمية بوردة، ولم يعد يهتم بها كسابق عهده لأنه عثر على البديلة الثرية التي تدفع به إلى أعلى المراتب.

شقت(وردة) دربها في الحياة غير نادمة على(رشاد) الذي تخلى عنها بكل سهولة، لقد اكتشفت من خلال فعلته أنه مادي أكثر مما يجب، ولا يهمه من هذه الدنيا الزائفة سوى المال، المال فقط، أما المشاعر الإنسانية الصادقة فلا مكان لها في قاموسه الاجتماعي.
التقاها ذات يوم في محل العطور، ود أن يجهش بكاء كالطفل الذي اختلطت عليه الأمور، وأن يرمي همومه كلها فوق عاتقها لعلها تشعر بأفظع معاناة يمر بها، وتصفح عما بدر منه سالفا.

انطلقت من فيه جملة دامية، كئيبة: فرقتنا الظروف يا(وردة)، والآن أتحسر على الوضع الراهن الذي أحياه بكل مشاعري.
باستهزاء أجابته: ألديك مشاعر؟ أتحس مثل البشر؟ أين كانت مشاعرك يوم انسلخت من حياتي، وتركتني لألسنة الناس الجارحة تنهش لحمي؟ ألم تتنعم بالمال الوفير الذي أسبغتك به زوجتك المصون؟

ــ سامحيني، لقد أخطأت في حقك، المرأة التي تزوجتها طمعا هي امرأة ثرية بالفعل، ولكنها غشاشة، حقودة، وخائنة، و.....

ــ لا أريد معرفة المزيد منك، أنا في غنى عن كل هذا.
ثم تابعت تقول وهي شاعرة بانتصار مبين يتوجها: أنظر، أنظر إلى الخاتم الماسي المحاط بأصبعي، ألم تسمع بنبأ خطوبتي؟ إنه مهندس لامع يتمتع بأخلاق عالية، لا تهمه المادة بقدر ما تهمه سعادة النفس، وراحتها.

انسلت من المكان وإشعاعات الأمل تتراقص مترنحة حولها بأمان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى