الثلاثاء ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم نورالدين فريش

الوردة السوداء

تـُرَاهـا حـياة أم وهــــم، أم هي لعــبة القــدر،تلك التي سكنت القــلــوب، فسارت رمــادا تنبعـث شرارة مكره في كـل حـيـن، أم هي جسد بلا روح،أميرة حزيـنـة بلا تـاج، أم تـُرَاهـا كـتـاب بـدون عـنــوان، أسـطـر بلا مـضـمـون، لا إنها حـياة بلا طعـم، بلا لون، ربما قـد تكون أكذوبة، أو حلم مفزع،

تستيقظ منه بعد سباتٍ طويل، ولـعـلها قلم جف حبره بعدما تفنن في وصف الأنين والألم، وربما...أو...أم...أم.....؟؟؟

هـي أسئــلة بـلا أجـوبة تروي ظمأ حـيـرته، في الوصـول إلى حـقـيـقة قـد تريـح ضمـيـره، فـتـكـون مـلاذا للعـودة إلى ذاتـه التـي أصـبحـت غريـبـة عنه،كالمغترب عـن وطنه...ظل حائرا أهـي تأملات، أم هو سم ينخـر عظامه، فـيـنـتـظر ســــاعة النـهـاية...

أعــاد شـريـط ذكـريـاتـه في لـحـظـات، فـوجـد قـد مـرت أمـاد عـلـى تـقـادمـه، لـكـنه لازال يعـشـعـش داخـل كـيـانـه ووجـدانـه، كـسـم العـقـرب، بـل كـالـمـاء داخـل الـبـئر، كـلما قــل حـجـمه إنـفـتـحـت العــيـون لتـزيد في غــزارته...

كــان جــسـمه النـحـيف يـرتعـش كـمن تـلقى صـعـقة كهربائـية، والعـرق يتـهاطـل من وجـهه الأبيـض، فـنـظر بعـينـيه –الفاقدتـين لبـريقهما- إلى الأرض، وقال:«أهٍ عليك يا دنيا سقيتك كـأس الحــــب فسـقــيـتـني كـأس الألــــم»، تمتم قـليلا ولم يـدرك ما يقول، فاستسلم لـلغة الصـمت، وبذلـك تـرك العـنان لذاتـه لتـتحاور لغة الألـــم...

وقـفت مندهـشا، أتـساءل ما الـذي يـقع له، وبـدوري لم أجـد لسـؤالـي جـوابا يـشفي حـيـرتي، تــُرَاهـا تـكون الأيـام قـد جـنـت عـلـى أحـلامـه،فـحـولـته إلـى نــار لا تـحرق سـوى ذاتـها،أم تــُرَاه ضـحـية غـدر أنـاس عـصفوا بـه إلـى الهـاويـة...

إقـتـربـت مـنه عَـلِي أضـع يـدي عـلى مـا يـضـمد جـراحـه،فـسـألـتـه:

*ما بـك يـا صـاح؟

ظـل صـامـتـا، وفـجـأة رفـع عـيـنـيـه المـحـمرتـين بالـبكـاء،ولم يـجـب مـكـتـفـيا بـنـظـرات تـنـبعـث مـنـها شـرارة الـحـسـرة، فـأعـدت سـؤالـي:

*ما بـك يا صـاح؟

وأخـيـرا خـرج عـن صـمـتـه فـقـال:ومـا أدراك بـالدنـيـا، إنـهـا غـدر وألـم بـدل السـعـادة.

فأجـبـتـه:

*لـكـنه القـدر يا صديـقي،هـي إرادة الله، فــكـن مـؤمـنـا.

إبـتـسـم إبـتـسـامة الـمـسـتـهـزء مـن نـفسه وقـال:

*وما علا قة القدر بأناس يسعدون بتعذيب الآخريـن؟

صـمـتُ قـلـيـلا، بـعـدمـا أدركـت أن في كـل كـلمـة نـطـقـتها شـفـاهـه نـبـرة الحـزن الدفـيـن، داخـل سـطـور كـتـاب عـنـوانـه الـجـراح، ثـم أجـبـتـه:

*لا يـا صـديـقـي لـكـل حـديـقـة ورود أشـواكـها مسـتعـدة لـلـسع،لـكـن هـنـاك زهـور تـفـوح نـسائـمـها لـتـشمل الـجـمـيـع بحـنـانـها.

تـأمـل كـثـيـرا فـي كـلامـي،فـفـهـم مـغـزاه،وابـتـسـم قـائـلا:

*نـعـم يـا صديـقي، وأنـا لـم أقـابـل فـي حـيـاتـي إلا الـورود الملـيـئة بالمكـر والخـداع، أما الآن فـسـأبـحث عن زهـور لا تعـرف ســـوى رائــحة الصـدق والصـــفاء...

بـدأ وجـهـه يـتغـيـر شـيـئا فـشيـئا، فأحـسـست حـيـنها فـي نـظـراتـه، نـظرات المـولود الـذي فـتح عـينيه أول مرة عـلى الحياة...ودون أن يضـيـف شـيـئا، نـهـض و سـار في طـريـقه، فـوجـدت نـفسـي مـضـطرا لـملاحـقة خـطواتـه المـتسارعة بعـينـي،دون أن أكـون قـادر عن معـرفة سـبب سـرعة تـلك الخـطـوات...

فـبدأت الحـيرة تـأخـد مأخـدها مـني، والتســاؤلات تــتـــزاحــم بعقلي، تـُـرَاه بخــطــواته المــتسارعة يــهرب من الحــقــيـقة، أم أنـه يـحـاول إصـلاح شـيءٍ أفـسـده،أم أنـه يسـيـر كالفرس دون فـارس، لا يـعــلم مــتى ستـكون الكـــبوة، أم...أم...أم....؟؟؟

فـــلم أجــد بــُُداً مــن الإســتـسلام لـنـار الحـيـرة القـاتـلة، ربـمـا قـد أجـد مـع مـرور الأيـام جـوابـا لأسـئـلتـي، أو عَـلِـي أجـده لـيـحـكـي لـي عـن سـبـب خـطـواته المـتسـارعـة، أهـي الدنـيـا تسـيـر بـسـرعـة دون أن تـنـتـظـر أحـدا،أم هي..............؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى