الثلاثاء ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم نوزاد جعدان جعدان

وفاة ُ حلم

أسدل الليل ستاره وتوقفت الحركة في القرية وخيّم الصمت على المكان بعد أن كان يعج بأصوات الأطفال، انسلخ النهار وران على وجه القرية وشاح أسود، الليلُ بطله، ولم يعد يُسمع إلا نباح الكلاب ونقيق الضفادع لتشكلا أغنية جميلة موسيقيوها الضفدع والكلب وقائد الأوركسترا الليل بصمته المذهل.

الطريق عتمٌ وبعض ظلال يتامى الصباحات وغرماء الليل يرنو من بعيد، أما فرحان النائم في البستان يحلم بجوال يقتنيه، فحلم حياته أن يمتلك هاتفا نقالا ليتكلم به مع صديقه مروان، وقبل النوم أن يسمع صوت عبد الحليم حافظ ثم يغفو على صوته، وأن يستيقظ صباحاً على صوت فيروز وهو يعانق أذنيه.

فرحان متشرد القرية ينام بين البساتين، فالعشب فراشه وضوء القمر غطاؤه وتعداد النجوم دواؤه المنوم, ففرحان يعمل في رمي ولمّ قمامة القرية، ومنذ زمن قد وضع في ذهنه اقتناء هاتف محمول.

تقشف لشهرين، يأكل مرة واحدة في اليوم رغيفا من الخبز مع بيضة مسروقة من القن وبعدها يأكل عنقود عنب مسروق من أحد البساتين.

وبعد أيام وليال طوال اشترى فرحان هاتفا واستمتع بهذا الجهاز الصغير فكثيرا ما كان يحملق به دون أن يتكلم، لا يصدق عينيه.. أنه أخيرا اقتنى هاتفا نقالا.

تكلم فرحان مع صديقه مروان لتكون أول مكالمة لفرحان، وعند حديثه معه نفش فرحان صدره وبدا مزهوا فخورا يمشي في القرية كما يمشي المشاهير على البساط الأحمر وبدا كعريس في ليلة دخلته.

أخبر فرحان صديقه بأنه حقق حلمه الذي ناضل في سبيل تحقيقه، سأله مروان عن مكان وجوده الآن، فأخبره فرحان بأنه عند الساقية، وتعجب لعدم سماع مروان خريرها.

وبينما كان فرحان يتكلم لم يشعر إلا بسارق على دراجة نارية يسرق هاتفه ويهرب دون أن يلمح شكله، فالسارق اختفى كما يختبئ الرعد بعد إطلاق صوته.

حزن فرحان حزنا عميقا وتجرع كؤوس الدموع وبدا كل شيء في الحياة أسود اللون كسواد الغراب الذي ينعق فوق رأسه، في تلك الليلة تمنى أن تكون بعض الأشياء حلما كما تمنى أن تكون بعض الأشياء حقيقة، استلقى فرحان على العشب وهو يفكر بحلمه الذي سُرق في لحظة، حلمٌ أسسه على مدى الساعات اِستلّ في لحظة فكيف تحدث هذه الأمور ؟ !..تأفف وتمنى لو أن الزمان يرجع للوراء ويقبض بكلتا يديه على هاتفه أو أن يقبض على السارق ويبرحه ضربا.

خرجت الشمس من خدرها معلنة الصباح مع زقزقة العصافير وصياح الديوك، لم يلمح أحد من أفراد القرية( فرحاناً) فسألوا صديقه مروان عن سبب تأخره لرمي القمامة، فتوجه مروان إلى مكان نوم فرحان ورآه ساكنا في مكانه متوقفا قلبه عن النبض ، ميتة الأمنيات في وجهه، وبدأ مروان بالبكاء والنحيب مخاطبا جثة فرحان الهامدة:

آه منك يا صديقي لقد مزحت معك مزحة ظننتها خفيفة و أردت أن تكون طريقة مباركتي لك بالهاتف مختلفة، فسرقت هاتفك وكنت قادما اليوم لأعيده لك، لم أكن اعلم أن النتيجة وخيمة لمزحة شيطانية, فاعذرني وسامحني .

قام مروان بحفر قبر ووضع فرحان بداخله ودفن الهاتف المحمول بين راحتيه ثم واراه تحت التراب.. وكتب على شاهدة ضريحه (هذا قبر متشرد مات جراء وفاة حلم)..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى