الخميس ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم لمى نور الدين محمد

أسرار جنسيّة

أسرار جنسيّة: السر الأول: ثالوث

القهر لا يولد معنا ،بل يتبرعم فينا بعد نكبات عدة و ظلم لم نقو عليه ، عندها يصبح للبكاء معنى آخر فيحسه الآخرون...

هي:

خطرت لي جميع الأفكار الغبية التي تحثني على الانتقام لذلك الجمال الذي ملكه هو يوما ثم بصق عليه..

هذا ما بدأت به "رجوى "حديثها ، عندما فتحت قلبها للمرة الأولى ،وكانت تبكي..

هل أحسستم مرة بالبكاء؟!

لطالما بكى ناس أمامي فحزنت و لكنها المرة الأولى التي أحس فيها بالبكاء يجتاحني، يؤلمني، يحرض عيني فتدمعان ..أحسست أن الدمع لا يتسرب من عينيها بل من روحها .. من مكان ما فيها أسميته قهرا.

قالت لي:

لم تكن حرب طوائف كما بشر أهله ولا كان هو الفارق الثقافي كما برر أهلي..لكن السر الزوجي الليلي هو السبب، صدقيني..

 كانت كلمة الجنس مطروقة جدا في كتبي الطبية ، لكن جملة السر الزوجي الليلي كانت بداية لسلسلة الأسرار هذه...

حكت " رجوى " قصتها بمنتهى الألم و كأنها حدثت منذ ساعات ، واضحة التفاصيل ، شديدة الوجع ، مبعثرة الترتيب :

حاربتها عائلتي.. أعلنتهم أعداء لأنهم رفضوا ذلك الرجل، أعلنتهم منافقين لأنهم عبروا عن طائفية ما كنت ألحظها سابقا…

لم يكن هناك حفل زفاف ولا حتى فستان فرح .. هربت معه..

أربع سنوات في الجامعة ،و ثلاث في الدراسات العليا، و لم أر سلبيات ذلك الفارس الذي سحرني بأناقة مفرداته، وأغواني بفيض اهتمامه..

عندما اهتز السرير بنا للمرة الأولى ناداني "فرح"…ظننت أنني متوهمة متوجعة ولم أعر الأمر أية أهمية ، لكن ومع اندمالها جراحي الجسدية ، بدأت أوجاعي ..و بدأت (النق) كما كان يشتكي ..

كنت أحسه يستخدم جسدي ليتذكرها ، ابتعدت كرامتي عنه و ازدادت الهوة بيننا اتساعا...
درت في تلك الحلقة الضيقة حتى دخت، عندها تمردت: أيتها الحلقة مللت استدارتك حول ضعفي .. لن تتصيري مربعا ، لكنني سأمسي قوية، و طلبت الطلاق…
نفسهم أهلي الذين رفضوا تلك الزيجة ، هم الذين شجبوا فكرة الطلاق ...لا مكان لي الآن..
صمتت "رجوى" مكفكفة دموعها ثم تابعت:

سأظل وحيدة، ألجأ إلى لطب النفسي عله يروضني، وأعود إلى زوجي كعاقلة ...
أتعلمين يا دكتورة اكتشفت أن الحياة لا تسلبنا شيئا.. نحن دوما من يقامر فيخسر.

هو:

قابلني بشكل جدي مبررا قدومه لعيادة نفسية:

أهلاس هي..مجرد تمتمات حلم ، لن تصبح حقيقة أبدا، لأنها خيال ..ليست خيالي، لأنني مسكون بشبح آخر ،شبح امرأة برائحة الرغيف…

تابع متلعثما: الرياح تصفر في داخلي كزوبعة، أحس بها و قد قطعت كل السبل، لم تترك إلا ما يشدني إلى دفء الفرح ..إلى تلك الخيمة، في مفترق طريقي الصحراوي...

احتار قليلا ثم قال لي:

أجل أحرقتها..لأننا ننقلب صغارا وحوشا ..و لن نصبح أبدا وحوشا صغارا…

و كمن يرتب جملا أدبية ليكتب رواية قال "ديار" سأحكي لك كل ما لم يحدث:
دورت فنجانها ثم قالت لي سأقرأ لك الفنجان ،ضحكت وأجبت:أتقرئين فنجانك أنت وتحللين مستقبلي أنا؟!

ابتسمت بخبثها المحبب: بل أقرأ مستقبلك في ثنايا نزواتي

خلتها تمزح كعهدي بها، ما توقعت بتاتا أن تكون نبوءتها إعجاز عرافة ، سحر امرأة برائحة الرغيف!! امرأة اسمها فرح ..حبي الأول.

قالوا أنها غريبة الأطوار، بل جزم بعضهم أنها عاهرة ،فرشوا وجهها و صدرها و وركيها على الطاولة المستديرة، و دارت حولهم مباحثات لم تشهد المنطقة العربية لها نظير، لا في نزاهتها ولا في نتائجها..

أما أنا فقد كنت أراها أنثى…أنثى استطاعت أن تخرج من إطار مرآتها لتضيء…

درت حولها ثلاث سنوات ، لكنني و بعد ليلتي الأولى معها.. فوق سريري الرطب، في غرفتي المحشورة في أحد أزقة دمشق القديمة، لم أعد مقتنعا بها أما لأطفالي ..

ببساطة تحولت إلى مومس في قاموسي الذكوري ..

بقيت أكتب كل يوم قبل أن أنام الجملة التالية :

امرأة برائحة الخبز ترقص في تنور داخلي، غير مهتم بصوت فرقعة الرغيف..أحرقتها و مازالت تقوتني...

و هو يغادر أضاف "ديار ": (على فكرة ) أنا شاعر مغمور، ومجنون كبير.. (بخاطرك)..

خيال :

دخلت فرح عيادتي للمرة الأولى تتعثر بفستانها الأسود الطويل، خجلة جدا..ومتألمة جدا،جلست بخفة و بعدما عرفتني بنفسها، ودون أن أسألها بدأت حديثها كشهرزاد: أعلم أن "ديار" يأتي هنا،اتصل البارحة و أخبرني بذلك…

نحن لا نخسر شيئا لا نمتلكه أصلا ..لم آتي من أجله.

جئت أشتكي انتمائي إلى وطن لا قانون يحمي النساء فيه ،والى دين سخر لعبادة جميع الآلهة المنتخبة إلا الله الواحد..

أكره كوني امرأة في مجتمع تحكمه الغيرة و تلعنه الأحكام المسبقة ..تسيطر على عقله المعجنات، الأزياء،الصبحيات و ألوان الشعر..

مجتمع النساء المغلق مهما انفتح ، والمكبوت برضى ساكناته…

أسرار جنسيّة : السر الثاني: مبررات

سنصغر،ثم نصغر، ننقلب كائنات جرثومية غير مرئية..نسبب الأذية لغيرنا لكننا أبدا لا نبصم على حائط..

عندما جاءت تماضر إلى عيادتي للمرة الأولى لم تجدني، أخذت موعدا و تركت لي ورقة مع الممرضة كتبت فيها:

سيدتي الفاضلة، سأعود لاحقا …لن انتحر لأنني مت ألف مرة، و لإيماني العميق بأنه لا يستحق…

قبل موعدها الجديد بربع ساعة ،كانت "تماضر تحكي ببطء مقاوم لمطر غزير أعلنت عنه عيناها:

اقتربت من سريري لأجد جسدين متلاصقين، الأول لم أقو على تمييزه، فالثاني كان لرياض..زوجي…

رياض "شاهبندر" الجمارك و أشهر من أختلس بمنتهى القانونية، زوجي حسب التقاليد النافذة و الشروط الصارمة للزواج التقليدي..

لا أريد أن أغرقك بتفاصيل مكررة عن الخيانة، لكني أود سؤالك:

أصحيح أنني بهذين -وأشارت إلى صدرها- لا أنفع في السرير.. ثم بدأت بالبكاء.

 عزيزتي تماضر لقد كتبت لي سابقا أنه لا يستحق أليس كذلك؟!

لا أبكي عليه، أبكي كرامتي الجريحة ،أتذكر جمله المسيئة التي برر بها كل ما فعل .لماذا لا يعد قتلي له جريمة رد لشرفي ؟

هل تعلمين قالت لي جارتي: الرجال الشرقيون في معظمهم لا شرف لهم ليهدر…
لم يدّعون التحرر وهم عبدة أموال و جنس؟!

بعد زواجنا بعام بدأ حملته التصنيفية لجسدي، أعلم أنني فتاة عادية، لكنه وبإبداع شاعر أموي فرش عيوبي كلها وجمعها، فأمسيت مشعوذة دميمة .

و بغض النظر عن كونه كان يختلق الأعذار ليبيح لنفسه كل شيء، فإنني اليوم أسأل نفسي كيف سمحت له أن يهينني؟!

على بريدي الالكتروني كانت هناك رسالة من نوع آخر:

نايا تكره الرجال و تكره الزواج ..أما تالة فهي موهوبة في فن التقرب من الرجال و إغوائهم ثم ركل مؤخراتهم عندما تضجر. كانتا حقيقتين تمخضت عنهما الطفولة التي عاشتاها، واجهتا مشكلتي مع أبوهما بحلين متناقضين !

لن تتزوجا مطلقا،نايا قد تذبح سبعين رجلا ثم تأتيك شاكية ،و تالة قد تخرب سبعين بيتا ثم تبكي..

سعيدة أنا لكونهما لم تفعلا ذلك إلى الآن…

التوقيع:غبية…

أسرار جنسيّة: سر الكبت و الجنس

الكبت كمرض السرطان، لا تظهر تبعاته إلا بعد أن يستفحل و ينهك …

كانت العاشرة صباحا عندما أعلنت ممرضتي حضور بدر، وما هي إلا ثوان قليلة دق الباب و دخل شاب وسيم في العشرينيات، و أنيق بطريقة ملفتة..

لم يصافحني بل وضع يده على صدره محييا:

اسمي بدر: مهندس مدني، أتسمحين لي أن أجلس و..أبكي…

 لم أجد مخرجا لي سوى الصمت ، بكى بدر قرابة الخمس دقائق ثم بدأ الحكاية:

أنتمي و لا أنتمي إلى عائلتي، لأنني لا أريد أن أشبههم …عائلتي ميسورة، و محافظة جدا…
تزوجت و لم أتزوج منذ شهر، زوجتي عند أهلها الآن..تطلب الطلاق ،تقول أنني لست رجلا….

أقرأ كثيرا، وأيضا تستطيعين أن تقولي لم أقرأ أبدا، لأنني أحس دائما بأصنام في داخلي، كتل كبيرة ثابتة و راسخة ، ربما رضعتها مع حليب أمي،لا أعلم !!

أحب و لا أحب فن النحت، لأن أبي يراه حراما و أمي تقول أنه كفر … ومع أني أعارضهم دوما، لكن الطفل في داخلي أصبح يكره النحت…

لدي أصدقاء من جميع الطوائف ، لكنني أحس أنه لا أصدقاء لي، لأنني لا أعلم لماذا أود دوما إقناعهم بإصلاح أنفسهم…

رأيت سندس للمرة الأولى منذ شهرين، بعد أن ذهبت أمي و خطبتها مشترطة على أهلها حجاب الفتاة ( حجبوها اليوم .. الخميس نفرح بالعرس )

عندها دخلت سندس وغطت شعرها، مع زغرودة كبيرة من أمي وأمها..وكان العرس.
في ليلة العرس شعرت بالخوف والخجل معا ،حاولت أن أنفذ ما قرأته.. لكن عبثا، أخذت الفتاة تبكي فضربتها..

تخيلي يا حكيمة مهندس مدني يضرب صبية تتألم! ليتها دافعت عن نفسها أو حتى صرخت..لكنها سكتت هلعة، و نامت في زاوية الحمام

وتوالت الليالي السوداء…

لست أعرف ما الذي كان يحصل لي.. سندس خريجة جامعية ،لا تعمل، جميلة جدا و من عائلة دمشقية عريقة ، أي أنها وبالشرط الذي وضعته أمي كانت العروس المثالية…لكن لا أعلم لم حدث كل ذلك ؟!

ذهبت إلى طبيب مختص والنتيجة النهائية كانت:عنانة من منشأ نفسي …تشاجرت مع الطبيب وأنكرت الفكرة لأيام، ذهبت خلالها إلى عشرة أطباء، أعطوني نفس النتيجة…
في النهاية رضخت..اخترت عيادتك بناء على نصيحة الحكيم جمال ،فقد أكد لي أنك تتركين وقتا بين المواعيد ،فلا يمكن أن يشاهدني أحد هنا…

على بريدي الالكتروني كانت هناك رسالة جديدة:

لجأت إلى أخي في كندا هربا من زوجي الأول الذي علمني كيف يصبح الجنس أداة حيوانية للإهانة والاغتصاب، و أقسم أن يقتلني بعد شهادتي في المحكمة أنه مصاب بعجز جنسي …كنت أكذب وقتها، لأنني لم أفلح في الحصول على الطلاق إلا بهذه الطريقة..

ولست نادمة يا سيدتي لأن الذكر في مجتمعنا العربي مدلل بشدة، فكل القوانين التي سنها أجداده القدامى تتبنى قوامته ونزواته...

وما من حل لنا نحن النساء إلا السياسة، والكذب كما تعلمين ملحها…

التوقيع : الغبية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى