الثلاثاء ٢ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

إعدام مظلوم

كان صديقي مهند حزينا عندما التقيته اليوم في مقهى الانشراح، لم يكن كعادته باسما، بل كان وجهه متجهما، كلما نظرت إليه ارتعبت، وقلت في نفسي: «يا ستار، يا رب، لعل مصيبة حلت بمهند»، سألته:
 ما الذي يحزنك؟
فأجابني:
 أليس حراما أن يعدم رجل بريء؟
_ بدون تفكير قلت له:
 بلى.
(فماذا يمكن أن يكون الجواب؟) إن كان المتهم بريئا، فمن الجريمة أن يعدم.
سألته:
 لكن من يا ترى ذلك الذي سيعدم هذا اليوم؟
 إنسان مسكين، لديه خمسة، أطفال وزوجته وليس لهم معيل غيره.
 لكني لم أقرأ بالصحف عن متهم سيعدم، فمن هو يا ترى؟
 ستسمع عنه قريبا، سيكون حديث الصحافة.
 ألديك أسرار لا يعرفها سواك؟
 تقريبا.
 أهو صديقك؟
 أنا صديق كل المظلومين.
قلت في نفسي، يبدو أن صديقي سيتعبني في ردوده. سألته:
 ألديه محام؟
 طبعا.
 فلماذا لم يساعده؟
 حاول، لكن المجرمين أحكموا الطوق حوله، عرفوا كيف يوجهون كل أوراق الإدانة ضده. إنهم كلاب، مجرمون.

لم أر صديقي منفعلا كما رأيته اليوم. لكني لم أسمع بمتهم سيعدم في بلادنا. لعله من بلاد أخرى، فسألته:
 هل صديقك المتهم من هنا أم من بلد عربي مجاور؟
فرد علي بغضب:
 ما الفرق، المهم إنه بريء وسيعدم.
 ما هذه الألغاز، دخليلك من أين صديقك هذا؟
 من كل مكان.
 ها ها ها،
ضحكت لجوابه. ترى لماذا يخفي عني معلوماته؟ لا بد أن شيئا مهما وراء تقاطيع حواجبه، تابعت أسئلتي:
 وكيف عرفت أنه بريء؟
صمت حتى خلت أنني حشرته في الزاوية، بعد صمت طويل قال:
 لأني أعرفه.
 ولكنك لست معه في كل ثانية. ألا يمكن أن يكون قد ارتكب جريمته؟
 قلت لك لم يرتكب أية جريمة.
 إذن لماذا سيعدمونه؟
 اتهموه زورا بالقتل.
 ولماذا صدقت أنه لم يقتل؟
 لأني أعرفه تماما.
 حيرتني وكيف عرفت أنه لم يقتل؟
 لأنه بطلي.
 لم أفهم أغثني.
 إنه بطل روايتي الجديدة.
 ماذا قلت؟
 إنه بطل لرواية جديدة سأصدرها هذا العام.
 يا سلام؟! حرقت دمي، ودمك من أجل بطل من ورق؟! حل عني أنت، وبطلك.
يبدو أنك هلوست، الناس تموت بالآلاف وأنت مهتم ببطل من ورق؟!
 نعم، ألا يستحق المظلوم أن نتضامن معه؟ لقد بكيت لحاله.
قلت له ساخرا:
 مسكين، مسكين! وما الذي تريده الآن؟
 رفع الظلم عنه.
 بسيطة، غير النهاية واحكم عليه بالبراءة.
 لا يمكن، فكل أوراق الإدانة ضده.
 غير الأوراق.
 ستفقد الرواية أبعادها وستصبح غير واقعية.
 وهل تكون واقعية بإعدام المتهم؟
 نعم لأن الواقع يقول إن الحياة كلها مظالم، وأن لا عدالة على الأرض.
 لا تكن متشائما.
 هذا الواقع، هكذا الناس، الأنانية تتحكم فيهم، الطمع يسيطر عليهم، والجشع يسكن قلوبهم.
قلت له مازحا:
 بسيطة ، احكم عليه بالسجن المؤبد.
 ما الفرق إن حكم بالمؤبد أو أعدم؟! فكلاهما نفس الشيء العائلة ينتظرها الدمار.
مللت الحديث مع صديقي، ولولا خجلي منه لقلت له طز فيك وفي روايتك. قلت له:
 ماذا ترى إذن؟
 لا أعرف، المهم أن لا يموت بهذه الطريقة، لا بد للعدالة أن تأخذ ولو حيزا على الأرض.
صمت لحظة ثم قال صارخا: «وجدتها، وجدتها».
 ما التي وجدتها؟ الحقيقة؟
 وجدت النهاية التي ستكون للبطل.
 وما هي...؟
رد علي بهدوء هذه المرة، وقد انفرجت أسارير وجهه:
 لن أقول لك.
 ولماذا؟
 حتى تقرأ الرواية عندما أنشرها.
رجوته أن يخبرني، واعدا أنني لن أعلم أحدا، لكنه أصر على رفضه بطريقة مؤدبة.
نظرت إليه، وبعد صمت قلت له:
 لقد عرفت كيف ستكون النتيجة، سأتصل بكل الأصدقاء أخبرهم بنهاية روايتك.
نظر إلى مستغربا، وسألني متحديا:
 وماذا عرفت يا علي؟
ضحكت وقلت له:
 لن أقول لك.
نظر إلي وكأنه وقع في مصيدتي الآن.
 لا لا أنت لا تعرف شيئا لأنك لا تحب الروايات. لو كنت تعرف لأجبت.
 أعرف ولن أجيب.
سكت ثم سألني:
 هل تعشيت؟
 لا ليس بعد.

- ما رأيك بعشاء على حسابي؟
 لا مانع.
 بشرط أن تخبرني ما تعتقد أنه نهاية البطل.
قلت له لأضمن وجبة العشاء:
 موافق، لكن بشرط؟
 ما هو؟
 أن أقول لك الجواب فيما بعد.
 ولماذا ليس الآن؟
 حتى أضمن العشاء ها ها ها.
 ومتى يكون ذلك؟
نظرت إليه بجدية وقلت له بهدوء:
 عندما أقرأ روايتك الجديدة.
 تريد أن تعرف النهاية لتدعي أنك عرفتها قبل أن تقرأ الرواية، ها ها ها ها.
وضحكنا معا بصوت عال، وظللنا نضحك حتى نسينا العشاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى