الأربعاء ٣ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم زهير الخراز

رجل من ورق 

 

1. أخذ يطوف الشوارع.. في رأسه تتصارع قبائل.. ومن ذقنه تطل دبابيس صغيرة سوداء.. عند قدميه يلمع زوج حذاء زوجته، تنتشر على حافتيه بقع من الحناء.. في عينيه يعشش عصفور قلق روعه زئير البنادق، وبين ثنايا أصابعه الزجاجية معدن نقدي.. وكان يطاردها.. وكانت هي تحتمي تحت إبطي كل عابر استطاع قنصها في صبح باكر.. أما هو فقد افتقدها عند أول قنبلة انفجرت في واحة النخيل – ثمة نساء، وشيوخ وأطفال يجترون النبأ الأخير في ذهول صنعته المرارة. أخذ يبحث عنها وسط الحشود، يبحث عن حرف، أو كلمة يلغي بها لغوا مصطنعا. يجتر النبأ ويقظم أظافره الملوثة بقيء القلم.. كانت الأنباء مبثورة، مفعمة بقنابل موقوتة. قال النبأ:

سرب من طائرات الشبح تحيل " المروج الخضراء " إلى واحة من سعير !...

وقال هو:

لسوف تنتفض العشائر وتقف وقفة رجل واحد...

كان النبأ يزيد من إفرازات المرارة.. أما طريد ته المتبرجة فكانت تحتمي بالأكشاك ثم تختفي في لمح البصر.. وحينما هذه البحث، نهره صاحب الكشك قائلا:

عليك بمعالجة الأمور بجدية.. أعد النقود لجيبك وابحث لك عن بندقية !

فاستطرد " القناص " مستغربا:

ماذا ؟ ! أيجوز مطاردة الصحف والأنباء بالبنادق ؟ ! !

لم لا !

فقال القناص غاضبا:

أنت رجل جاهل...

2. وجاء من أقصى الصحراء رجل أسمر، يرتدي عباءة بيضاء..

وكان ينتعل رمال الصحراء، فأقرضه سيفه ثم قال له:

خذه وابحث عن طريدتك المتبرجة – فإن عثرت عليها، فأفصل رأسها عن جسدها وذلك أضعف الإيمان.
راودت "القناص" فكرة المراوغة والإحتجاج.. وحاول مبارزة رجل البيداء بسن القلم فعدل عن فكرته بعد أن هددته جمال من تحت كثبان الرمال.

فنزل إلى الأعرب مخاطبا، يحمل سيفا بتارا يقذف ماء ونارا، وحينما استشعرت وجودة الأكشاك خرت ساجدة، أما الكلمات الصفر فتسلقت جبالا من الجليد ونفقت هنالك بين أحضان الصقيع، في حين لبث رجال الأكشاك يلهون.. يصنعون طائرات، وصواريخ، وسفنا من ورق هجرته الحروف، ثم يضعونها في تابوت نسج من نار وجليد. 

3. وجاء من أقصى الغرب رجل أشقر يحمل مظلة قزحية تقيه من لسعات الشمس وحقيبة طرز على ظهرها صليب أحمر، يرافقه كلبه و امرأة تقتني عيونا وشفاها وشعورا مستعارة.. وكانت ترتدي سروالا قصيرا.. وشريطا حريريا يحمل ثدييها.. فلما وقعت عين " القناص " عليها لأول وهلة، ارتج قلبه وتبخرت أفكاره ورهن قلمه في سبيل امتلاكها، فلما رفض الرجل الأشقر، رهن نفسه. ولما أصر الأشقر على رفضه، باعه سيفه، فتمت الصفقة، وقضى القناص ليلة حمراء مع شقراء مرحة، تجيد لعب الورق بين نبات الصبار وأشجار الصنوبر.

4. في صبح سطعت شمسه قبل الأوان،عثر طفل من الأرياف على جثة رجل يحتضن أربعين صحيفة نخرتها ديدان على هيئة حروف وكلمات، فأضرم حولها النار.. ولما أنهى رقصته الدائرية، أفرغ مثانته واتجه راكضا داخل الأدغال، ولبث هنالك إلى الآن.

5. كانوا ثلاثة، تضمهم خيمة من صنع عربي و امرأة شقراء تعلب بالورق، وزوج طويل القامة. مستلق على بطنه فوق بساط أحمر.. كانا يحتسيان نخب النصر وبجانبهما كلب من سلالة جرمانية يلتهم شطائر لحم ناقة عجوز ثم رجل من بدو الصحراء جيء به ليحرسهم، وغير بعيد عربة حمراء بداخلها سيف عربي لف في قماش تنبعث منه رائحة الخمور.

«يا إلهي كم أنت مدمن على اللحوم الشرقية يا كلبي العزيز !..» همست الشقراء مداعبة كلبها..

فينبح الكلب محتجا.. بينما يتقلص بطن الشقراء من شدة الضحك.. وكان همس مخمور.. وضحك.. وصخب.. وعواء كلب أتخمته اللحوم.. ولرجل من البدو يتدلى رأسه على صدره، يحرس خيمة، وعربة حمراء من الغزاة والبدو الجائعين.

أعلن من مصادر رسمية وبتستر كبير جدا عن اختفاء أربعين طفلا في ظروف غامضة، بالأرياف ليلة أمس، بعد أن كانوا يفرغون ما بمثانتهم في جنح الظلام. 
  


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى