الاثنين ١٦ أيار (مايو) ٢٠٠٥
بقلم كمال الرياحي

رواية "كرنفال" لمحمد الباردى تفوز بجائزة الكومار الذهبى

دأبت تونس على الاحتفال بربيع الرواية التونسية فى مثل هذه الأيام من كلّ سنة من خلال الإعلان عن نتائج مسابقة "الكومار الذهبى" التى تتبنّاها وتدعّمها إحدى شركات التأمين المتوسّطية الكبرى، وتسند الجوائز للرواية التونسية باللغتين العربية والفرنسية والتى تتميّز بجودة كتابتها وبطرافة موضوعها. والحٌق أن الجائزة مفرد فى صيغة الجمع لأنّها جوائز فإلى جانب جائزة "الكومار الذهبى" قيمتها 5.000 دينار جائزة خاصة بلجنة التحكيم و قيمتها 2.500 دينار، وجائزة النص الروائى البكر و قيمتها 1.000 دينار وجائزة التقدير وقيمتها 1.000 دينار.

مع التأكيد أن هذه الجوائز تمنح للمبدعين التونسيين المنشورة أعمالهم فى تونس أو فى الخارج. وقد تزامن الإعلان عن الجائزة هذا العام مع انطلاق فعاليات معرض تونس الدولى للكتاب الذى انطلقت فعالياته يوم 23 أبريل 2005. ومساء ذلك اليوم نظّمت إدارة المسابقة حفلا بهيجا فى المسرح البلدى حضره عدد غفير من المشاهدين والمثقّفين والمبدعين وقد افتتحت الحفل الفنّانة مريم العبيدى بعرض بعنوان "اكتشاف" تداخلت فيه الأنغام الشرقية والغربية فى حوار جميل للثقافات ثم وقع الإعلان عن الجوائز من طرف لجنة التحكيم المتكوّنة من الدكتور الناقد فوزى الزمرلى والدكتور الناقد محمود طرشونة والروائية والقاصة مسعودة أبو بكر والأستاذة الناقد فوزية الصفّار الزاوق والمشرف على الدورة الصحفى محمد بن رجب.

وقد افتتح الإعلان عن النتائج الدكتور محمود طرشونة بكلمته القصيرة والمفخّخة: "حصاد العام تسع عشرة رواية متفاوتة الأحجام والمنازل، بعضها لا يتجاوز مجرّد التمارين المدرسية وبعضها الآخر ينافس أنضج الروايات العربية، أصحابها كتّاب منهم من يقتحم مجال الرواية للمرّة الأولى فتأتى نصوصهم متّصفة بسمات البدايات وفيهم من تمرّس بالكتابة الروائية ونضج سرده وأحكم بناؤه وصفت لغته من شوائب الفضول ومما يلفت الانتباه وفى هذه الحصيلة الجديدة أن مواجد الذات لا تنفصل عن قضايا المجتمع منها ما يجدّ فى أعماق التاريخ ومنها ما هو وثيق الصلة بالراهن لكن فى حدود ما تسمح به الرقابة الذاتية التى قد تكون أعتى و أشدّ على القلم من كلّ رقابة أخرى.

ورغم كل ذلك يشعر الكاتب أنّه عبّر عن ذاته بلّغ رسالته وقال فى نفسه: هل من مستجيب؟".

بعد هذه الكلمة القصيرة للناقد محمود طرشونة أعلن عن أسماء الفائزين فتوّج المبدع المنوبى زيدون بجائزة العمل الروائى البكر عن روايته "دفاتر موسى الجلاّد" والتى وظّف فيها التاريخ وعاد بنا إلى فترة الهجوم الأسبانى الثالث وانتصاب الأسبان فى تونس لمدّة طويلة ولم يتحدّث المنوبى زيدون عن الهجوم ولا عن كامل البلاد بل أخذ جزيرة جربة لتكون مكان الأحداث وهى رواية درامية مؤلمة ولكنّها أيضا أحداث النضال ضد الفساد وضد الاستعمار وضدّ الظلم ودعوة للحريّة.

أما جائزة التقدير فقد عادت إلى القاص والروائى الناصر التومى عن روايته "الرسم على الماء" وقد قال فيه طرشونة "إنه كاتب يثابر على الكتابة القصصية والروائية منذ سنوات ويسعى إلى تجويد فنّه إلى أن اقترب من النضج" وقد عادت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى محمد العيادى العونى عن روايته" قصر النخلة" والتى قدّم فيها كاتبها صورة من نضال التونسيين ضدّ الاستعمار الفرنسى ممزوجة بقصّة حبّ جميلة و نضالية.

أمّا الكومار الذهبى فقد أسند إلى الروائى والناقد التونسى المعروف محمد الباردى عن روايته "كرنفال" والتى برهن فيها الأستاذ محمد الباردى أنه فى إمكان الأكاديمى أن يكون مبدعا ناقدا متميّزا وقد اتّضح أن الباردى مازال يولع بالتجديد والبحث عن إمكانات جديدة لقول المختلف الروائى.

كما أسندت جوائز الرواية المكتوبة بالفرنسية الى كل من فؤاد زاوش وعبد العزيز بلخوجة ورفيق درّاجى وهادى زرّوق.

ولكن ذلك الحفل البهيج الذى تواصل حتّى منتصف الليل مع المطربة هالة المالكى لا يمكن أن يحجب الوهن الذى عرفته الدورة فقد اجمع معظم الكتاب والنقّاد والأساتذة والصحفيين التونسيين على أن هذه الدورة هى أضعف الدورات الثمانية لمسابقة كومار فأغلب النصوص الروائية لم ترتق إلى انتظارات القارئ التونسى، كما تساءل البعض عن جدوى إسناد الجوائز لمجموعة من المسنّين الذى نهضوا من سباتهم متأخّرا ليحبّروا روايات قد تكون الأولى والأخيرة باستثناء محمد الباردى الذى ظهر فى الحفل الشاب الوحيد بين جماعة الشيوخ الذين أسندت إليهم الجائزة فى الرواية المكتوبة بالعربية والمكتوبة بالفرنسية. ولا ندرى لماذا حجبت جوائز هذا العام عن الروائيين الشباب الذين قدموا بعض النصوص المبشّرة ومنهم على سبيل المثال رواية "زابينق" لأحمد القاسمى و"الارض تزهر فى الخريف" لعبد الرزاق بن رجب.

وذكّرنى هذا الحفل بما كتبه يوما الشاعر و المترجم المعروف آدم فتحى إجابة عن سؤال فى غياب القرّاء هل يكتب الكاتب للحصول على الجوائز ؟

يقول آدم فتحى "الجائزة فى هذا السياق ليست شأن من يحصل عليها بقدر ما هى شأن من يمنحها، إنها فى أشكالها التاريخية القديمة تعبير عن ثنائيات المكافأة والعقاب أو الترغيب والترهيب أو العصا والجزرة، هى ثنائيات لم تنقطع سلالتها تماما.. إلا أن الزمن غيّر من الجائزة وغير من دلالاتها وخلصها من الكثير من "شبهاتها" الهابطة من تاريخها القديم، مما مكنها من لعب أدوار جديدة بعيدا عن الريبة والتأثيم، بحيث أصبحت اليوم من الوسائل الفعّالة فى لفت النظر إلى عمل الكاتب ودعمه ماديا ومعنويا.. أصبحت الجائزة عنصرا مهما من العناصر الحافة بالكتابة، بحيث لم يعد من السهل الاستخفاف بها ولا التشكيك فى شرعية تعامل الكاتب معها".

هذا ما قاله آدم فتحى عندما كان ضمن لجنة التنظيم فى جائزة كومار فماذا يقول اليوم وهو خارجها؟

إن جائزة كومار وأى جائزة قطرية ستأخذ فى التراجع بصفة دورية لو حافظت على نفس التوجّه وشروط الترشّح لها، فشرط مثل أن الحاصل على الجائزة لا يمكنه المشاركة مرة ثانية ستجعل الجائزة بعد عشر سنوات مثلا تسند الى نصّ ضعيف لأن الروائى الجيّد عملة نادرة لا يمكن أن نكتشف كل عام خمسة روائيين من طراز عال. أما إذا سمح للروائيين الفائزين بالجائزة المشاركة فيها مرة أخرى ولو كان ذلك بتجميد مشاركتهم بعد سنوات معدودة سيعطى أفق انتظار أرحب للجائزة وتكون المنافسة منافسة فعليا وعندها يصبح ظهور روائى جديدا حدثا ثقافيا بالفعل. طرح هذا السؤال عندما استبعدت لجنة التحكيم رواية التونسى المهاجر الحبيب السالمى "أسرار عبد الله" الصادرة فى بيروت بدار الآداب.

وصفوة القول أن جائزة كومار لهذا العام تشبه معرض الكتاب الذى تزامنت معه والذى بدا باهتا بمشاركة متواضعة لدور نشر لم تقدم جديدا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى