الأربعاء ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم ذكرى لعيبي

النرجيلة 

تأتي الأعوام محملّة بالأمنيات، والساعات حبلى بالوعود الجميلة، بينما مصطبات الحدائق أجهضت كل عشاقها!
زمن تورق فيه الأحلام وآخر تموت فيه البراعم، وبين هذا وذاك نصبح بوزن ريشة عصفور لاعش له.

أيقن أحمد أن معرضه هذا سيكون شيئاً مدهشاً، حيث لم يترك منفذاً من منافذ الحياة إلا واخترقه بألوانه وخياله.

كعادته.. الساعة العاشرة مساء يقف أمام المرآة يرتب نفسه.. ويضبّط ربطة عنقه التي تجعله أكثر أناقة واتزاناً.. يبتسم.. يرفع مفاتيح السيارة ثم يغادر، طفل يعشق الحياة والنور والمرح.. ورجل تعيش الآمال بخلجات روحه، يوزع الضياء بكل زوايا حياته حتى يرى خجل الظلام منه.

وصل إلى المقهى الشعبي، لم يكن له مكان ثابت، حيث يجلس على أية طاولة خالية:

السلام عليكم

وعليكم السلام، النرجيلة يا حنفي، بالورد لا تنسى

حاضر يا باشا، الورد للورد

قهقه أحمد ثم قال:

الدانجو وبعده الشاي بالنعنع

مرّت دقائق وجاء حنفي بالنرجيلة، وضعها على يساره، وراح يصّفُ الجمرات جنباً إلى جنب ثم وضع أثنتين فوق.. أخذ نفسا عميقا وتأمل هلوسة الدخان فوق رأسه، علاقة غريبة وعميقة بينه وبينها بحيث لم يستطع أن يتركها أو يتأخر عنها ليلة.

ترابط متوالٍ بين جنون هذا الإنسان وقرقرة الماء أمامه، ترى ما طعم الراحة التي يحسها أحمد حين يستنشق نفساً صامتاً من هذا الصمت.

انتظر سهاد ولكنها لم تأت، لم يستطع أن ينام تلك الليلة، راح ينظّم اللوحات المقرر عرضها في معرضه الشخصي الثالث، كل واحدة فيها شيء من حبيبته، ذلك البورتريه وتلك المرأة القروية، وهذه الطفلة الغارقة بالشوكلاته ولعب الميلاد....خطرت على باله فكرة أن يرسمها بشكل النرجيلة ومن خلال شرايينها يتنفس دخان الزمن القادم.. كانت اللوحة الأخيرة..

افتتح المعرض الساعة السادسة مساء بقاعة «البراق» من قبل السيد «سعدون واصف» مدير أكاديمية الفنون الجميلة، أصحاب الدعوات السابقة قد حضروا، انتظر الفنان الحالم أن تأتي سهاد لتزيّن المعرض بوجهها الخرافي، كان يتمنى أن ترى البورتريه الذي أبعد النوم عنه ليالي، ويحلم كيف ستكون المفاجأة حين ترى وجهها بتعابيره الحادة وتلك الشامة بين حاجبيها تزيدها جمالاً.

ولكنها.. لا تأتي...
بعد مغادرة زوار المعرض، تصفح الدفتر المخصص لملاحظات الزائرين وقرأ: 

المعرض رائع ولكن تنقصه روح الطبيعة
التقنية لم تترك للطبيعة روحاً
الحب أصبح في خبر كان
جميع أخوات كان تزوجن إلا أنا
أتمنى أن أتزوجك لأريك نجوم الظهر
أمة عربية واحدة
ترشح مَنْ ليصبح بطل العالم بالحقد؟؟
لوحة النرجيلة بحاجة إلى نار
السيد الفنان أحمد، دائما مبهر بجمال رسوماتك
رقم هاتفي
أكملي الرقم يا بنت الشمس
أحب الفن التشكيلي لأنه يذكّرني بحبيبي الشهيد
كنت أتمنى أن أجد نظاّراتي هنا
أحبــــــك منذ زمن،،، التوقيع سهاد!! 

توقف مع المفاجأة عند هذه العبارة، هل هي حبيبته، كيف لم يلاحظها عندما أتت وتفحصت اللوحات ثم كتبت ملاحظتها، أين كان؟؟

موته هو الرحلة القادمة، أن يراها تودعه وتمضي، تبعد، تستنشقه الأشجار الحالمة، موته أن يحسها معه في أحلامه، في صحوته، غفلة زمان توقف فيه سحر الكلمات، أن يراها توءمه ولا شيء منها له!! لا ثبات لا بقاء، لا رحيل، الخاتمة تعبه وراحته، أنينه ساعة اللقاء، الوداع، أن يوسدها الدمعات، وتوسده دفء صدرها، يتهجى فيها الغد، وتنقر على جبينه البعد، وبلا شعور يركض نحو سراب، وهي مثل غيمة تمضي بيضاء، تكونت من داخله، دخان النرجيلة بطعم الورد ولونه! 
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى