الاثنين ١ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم فلاح جاسم

صَيدُ الغِزلان 

 

 كان أبي يعاقبني عندما كنا نقنص لصيد الغزلان، وكنت أتمدد بجانبه في «النوجة» التي أعدها للتخفي عن أعين الغزلان، وعادة ماتكون عكس اتجاه الرياح، كي لاتشمّ الغزالة رائحتنا فتجفل، كما كان يقول. كثيراً ماكان ينهرني ويغضب مني عندما أتململ، أو يداهمني السُعال أو العطاس بشكل مفاجيء، وكأنني كنت على موعد مع ذلك الأمر، عند تربصنا بالغزلان، فتسمع الغزلان صوت سعالي فتولـّي هاربة تتقافز وتصدر أصواتاً من مناخيرها... 

كان والدي مشهوراً بصيد الغزلان، ويُشار له بالبَنان، ولكن بطرق الصيد التقليدية، وقد اصطاد – بزمانه – غزالة مشهورة، يقولون أن أمها قد بقرت بطن أحد أقربائه، برفسة من ظلفها الحاد، عندما حاول الإمساك بها وهي نائمة... أبي دائماً يتحسرّ على تلك الأيام الخوالي وماقبلها ويذمّ زماننا هذا قائلا: سبحان الله، الناس في آخر زمن.. أصبح الصيّاد لايتورّع عن مطاردة الغزالة بالسيارة والقبض عليها متهالكة، تلهث عطشاً، أو يستعين بصياد آخر لإحكام قبضته عليها، مستخدمين أحدث ماتوصل إليه العلم من أسلحة الصيد لإبادة قطعان الغزلان برصاص يهطل كوابل المطر بشكل آلي.. أين أيام زمان!. 

كان أبي يستخدم بضع رصاصات يضعها في فمه للإستجابة للمواقف السريعة، حيث أن البندقية التي كان يستخدمها لاتتسع إلا لرصاصة واحدة، وحتى لو كانت تتسع لأكثر فهو لايستخدم إلا رصاصة واحدة لصيد غزالة، لأن الصيد حسب قوله فرصة، هي طلقة واحدة، إما صابت وإما خابت وفرت الغزالة هاربة، تنتظر مصيرها على يد صياد آخر في مكان ما. كان أبي يقول:" أيه.. تفو على هذا الزمان، لقد أصبح بعض الصيادين يستخدم الفخاخ المخصصة لصيد الثعالب أو بنات آوى لكي يصطاد بها الغزلان، وذلك بوضعها عند الغدير الذي ترِده.. قال إنه رأى بعينه – التي سيأكلها الدود – صياداً يقنص غزالة وتتضرج بدمائها، ويفرّ وليدها هارباً، ولكنه عند رؤية امه مطروحة أرضاً يرجع إليها ويشمّها، يحاول جاهداً مساعدتها في النهوض، وهي ترفس برجليها، في آخر رمق من حياتها.. يضغط ذلك الصيّاد على زناد بندقيته فتنطلق رصاصة لتضع حداً لحياة ذلك "الخِشف"، يلتفت الصياد مبتسماً ومبرراً فعلته ؛ كيف بإمكان ذلك الصغير الذهاب بمفرده إلى غدير الماء، إنه لايعرف الطريق وسيموت عطشاً.. لذلك قرر أن يُسدي له معروفاً بقتله فوق أمه... 

حلفت أمي، بأن والدي قال لها: لم أشأ
أن أطلق النار على غزالة، مع أنها كانت قريبة مني جداً وذلك حين تمعنتُ بعينيها السودواين اللتين تشبهان عينيك، هكذا قال لها. طبعاً كان ذلك قبل أن يتزوجها، حيث خطبها عدة مرات ولم يحظى بالموافقة، وكان يكتفي بالنظر إليها من بعيد، حيث تذهب لجلب الماء من القليب المجاور.

كثيراً ماكان أبي يردد: بأن الزمن تغير، والغزلان ستنقرض يوما ما، بسبب انتشار رائحة الإنسان والبارود في كل مكان. 

 

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى