الأربعاء ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

امرأة تحترق في صمت

كان زوجها اللئيم مدفوعا بجنونه الأعمى، متجردا من كل أثواب الشفقة والانعطاف، يقذفها بجمرات تجريحه اللاذع في سماوات كبريائها كأنثى، الأنانية المفرطة استفحلت بشكل مريع، وتجذرت فيه حتى العظم، استحالت هاجسا مرعبا يقض دفء مضجعه، وداء لاسعا ينخر قلاع أحاسيسه، ويفتت لآلئ هنائه.

يتمادى بإسراف فظيع في تلطيخ ينابيع مشاعرها الصافية كالمرايا، الندية كوجه فجر نحاسي بهيج، تهاجمها من باب التحدي ألفاظه الفتاكة، الطائشة، المغسولة بنقيع السم.
ـــ أنت جرح معفن ينزف ببلاهة على مقبرة الصمت.
ـــ أنت أرض بور لا ينفع فيك زرع ولا ماء.
تتكور كقنفذ هالك في زوايا الصمت المحدودب ملطخة بقطرات مثلوجة من الخيبة، والتوتر، والانكسار، وتلوك بكل أسف لحظاتها المعفنة، الموجعة، وتوغل في مدائن الغربة مضطربة الأوصال، لاهثة الأنفاس.

ردت عليه ذات يوم باذلة قصارى جهدها لتهدئة الوضع المكهرب بينهما: لم لا نجلب ولدا من الملجأ، ونغدق عليه بكل سخاء رعايتنا، وحبنا، وعطفنا؟
صاح كالمعتوه وعيناه الجاحظتان تقدحان شرا مستطيرا: إياك أن تفكري في هذا الأمر السيء ثانية وإلا سأفتح في وجهك أبواب جهنم.
ثم أضاف وهو يشعل فتيل الحقد الكامن في أغوار صدره: بطنك خاو لا يزهر ولا يثمر.

عبثيته الزائدة عن حدها أعمت بصيرتها عن جادة الصواب، وراودتها فكرة شيطانية خسيسة عصفت بها من كل جهة، وكادت تستقر في ذهنها الاستقرار الأخير.
تفجرت في سرها وهي تزحف ببطء نحو وهاد التشاؤم: ما الفائدة من وجودي وأنا أحيا حياة قاحلة، وعرة، هزيلة لا تدر علي تفاؤلا، وهناء، وسعادة؟ أليس الانتحار هو الحل الوحيد لمعظلتي الشائكة؟

أحلامها الملونة بلون الربيع الحالم تسامقت فيما مضى باعتزاز كبير في أروقة خيالها، وحلقت جذلى معبأة بالحنين الأزلي، ودفء الشذى، وراحت حينها تنثر بلا شغب أحاديثها الهامسة، المطرزة بشتى الورود وهو كله آذان صاغية، يتسلق أسوار حلمه البهي من غير عناء.
ـــ سنتحد، ونسيج حياتنا الزوجية بالود، والشفافية، والتفاهم، ولا ندع يدا دخيلة غادرة تفكك أواصر تآلفنا.

الأيام تمضي هادئة، منتعشة، مسالمة، حبلى بالأسرار، والقصص، والمفاجآت.
المفاجأة الوحيدة أن هذه المرأة لا تحظى أبدا بنعمة الإنجاب، حياتها العريضة كدرتها سحب ثقيلة من الهم والغم، لم تعد تجرؤ على مواجهته، إنه وحش هائج لا يرحم إنسانيتها.
ـــ لماذا تدمنين على اجترار الصمت؟
تنخرط في نحيب رهيب يوغل في ضبابية شجية، دكناء، إنها تحترق، تحترق بصمت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى