الأحد ١٤ آذار (مارس) ٢٠١٠
من حكايات التراث الشعبي الفلسطيني
بقلم تحسين يحيى أبو عاصي

حكاية: أسد بين الكلاب والفئران

على لسان الآباء والأجداد

مات زعيم الكلاب وقائدهم الذي كان يدير أمورهم وينظم حياتهم، ويجمعهم حول كلمة واحدة، وطلب كل كلب من بعده أن يدير القطيع ويكون سيده وقائده وزعيمه، وأن يكون له الأمر والمشورة والحكم والنهي، و اختلفت الكلاب فيما بينها على صفات قائدهم وزعيمهم، ورفضت تعيين قائدا من بعده، وتعمق بينهم الانقسام، وساد بينهم العداء، وتفرقوا وتخاصموا فلم تجتمع لهم كلمة من بعده.

في يوم من الأيام طلب أكبرهم الاجتماع بهم جميعاً وقال لهم مخاطباً : إن حمل الأمانة ثقيل وعبئها كبير، وتحتاج إلى رجل حكيم قوي ذكي، فمن يرغب منكم بحمل أمانة المسئولية، وأن يكون قائدنا وكبيرنا ومعلمنا وملهمنا فعليه تنفيذ الشروط الآتية :

أن يُحضر لنا من الغابة أسداً.
أن يأتي إلينا راكباً على ظهره.
أن يربطه في الشجرة.

قال أحد الكلاب الصغار “جرو”: أنا أوافق على هذه الشروط، وانطلق مسرعا إلى الغابة يبحث عن عرين الأسد، وبعد رحلة طويلة شاقة، كابد بها الكلب الصغير “الجرو” جميع أنواع الأخطار من جوع وعطش وخوف وتعب، وأخيراً اهتدى إلى العرين فدخله خلسة ليجد الأسد وزوجته اللبوة وصغارهم نائمين.

وضع الجرو الصغير «الكلب» نفسه بين صغار الأسد وتظاهر بالنوم، انتبهت الأم فجأة إلى الجرو، واندهشت من وجوده نائماً بين أبنائها، ولكنها كانت حليمة هادئة فلم تغضب، إلا أنها رفضت عندما رأته أن يعيش عنصر غريب بين أبنائها، سألت اللبوة الكلب الصغير: ماذا تفعل هنا؟ وما الذي جاء بك بيننا؟.

قال الجرو متمسكناُ وقد تظاهر بالعناء والضعف والجوع: أنا صغير وضعيف وجائع ولا مكان لي لكي آوي إليه، وبدأ يستجدي الأم بأن يعيش مع صغارها، يلعب ويلهو ويأكل ويشرب، فوافقت الأم على ذلك ولم تكترث لوجود الجرو بين أبنائها ؛ لأنها اقتنعت أنه لا يشكل خطراُ على أحد منهم.

بعد ساعة انتبه الأسد الذي كان نائماً من قبل، وحملق بالجرو غاضباً، وفتح فاه المرعب وبدأ بالغضب، لكن زوجته اللبوة قالت له: اهدأ وتمهل قليلاً، إنه جرو صغير ولن يضيرنا وجوده بيننا في شيء، فنحن ملوك الغابة والغابة لنا، اتركه يلعب مع صغارنا.

وافق الأسد ملك الغابة على ما قالته اللبوة، ولم يكترث أيضاً بوجود الجرو بينهم وفي عرينه.

بعد مدة من الزمن أصبح الكلب جزءا من أسرة الأسد وأحد أفراد حاشيته، ونال احترام وتقدير الأسد واللبوة والحيوانات كلها في الغابة، وفي يوم من الأيام قال الجرو للأسد : يا ملك الغابة، إن لي قصة مأساوية محزنة وأريد منك مساعدتي، فقد خرجت من موطني مطروداً من الكلاب التي كانت تنهش جسدي، واعتدوا عليّ، واغتصبوا حقوقي، وإنني أرغب بأن أعود إلى موطني مؤيدا مُعزّزا مُكرّما برفقتك وتحت حمايتك.

وافق ملك الغابة على مساعدة الجرو وحمايته وقال له : اطمئن وستعود إلى موطنك مؤيداً معززاً بكرامتك واحترامك بين أقربائك... وإنني مستعد لخدمتك وحمايتك.

انطلق الجرو والأسد إلى موطن الجرو، وفي الطريق كان الجرو يتلذذ بجميع أنواع اللحوم التي كان يأكلها مع الأسد، من بقر وغزلان وأرانب وغير ذلك.

وعندما اقترب الجرو من موطنه وبدأ يشاهد أقرباءه من قطيع الكلاب قال للأسد: يا ملك الغابة وزعيمها وقائدها، لقد تعبت كثيرا من طول الطريق، وانت صاحب الجود والكرم والشهامة والنخوة، أريد أن أستريح قليلا من المشي فأركب فوق ظهرك لعلي أحظى بقسط من الراحة، عطف الأسد على الجرو وجعله يصعد فوق ظهره ليستريح من عناء المشي ومشقة الطريق، وعندما اقتربا كثيراً من موطن قطيع الكلاب أراد الأسد أن يودعه وينصرف عائداً، فقال له الجرو وهو جالساً على ظهر الأسد: يا ملك الغابة إنني لا زلت في خطر، وإنني أخشى من عقاب قطيع الكلاب لي، فلا تتركني وحيدا وتنصرف إلا بعد أن أشعر بالأمان والاطمئنان، فقد صنعت معي صنيعا لن أنساه لك أبدا ولم يبق إلا القليل، لقد آويتني وأكرمتني وجعلتني أعيش بين زوجتك وأبنائك وفي مملكتك وداخل عرينك، وخدمتني أجل وأعظم خدمة حيث جئت بي إلى هنا مؤيدا مكرما، وإنني أخشى إن دخلت الآن إلى أقربائي الكلاب أن يفتكوا بي ويقتلوني بعد أن تعود إلى عرينك فلا أجد لي حامياً ولا نصيرا، أرجو منك يا ملك الغابة أن تكمل معروفك وإحسانك لي بأن أربطك في هذه الشجرة لكي أطمئن أنك لن تتركني وحيداً.

قال له الأسد : افعل ما يروق لك ولا تقلق، وسأبذل كل جهدي من أجل راحتك، وأرجو ألا تمكث كثيراً فتتركني مقيداً وانت بعيداً عني.

اقترب الأسد من الشجرة، ومنح ثقته للكلب الصغير لكي يُجسّد الإخلاص بأسمى معانيه، وتمكن الجرو من ربطه وشد وثاقه، وذهب إلى أقربائه الكلاب الذين كانوا يشاهدون الموقف كاملاً بدهشة كبيرة وكأن أعينهم لا تصدق ما يجري أمامهم.، فقد نجح هذا الجرو الصغير من تحقيق الشروط الثلاثة، فأحضر الأسد، وركب على ظهره، وربطه في الشجرة، وصار الجرو كبير الكلاب يحكم ويأمر وينهى، وله الأمر والمشورة في كل هاربة وواردة.

وبينما كان الأسد مربوطاً في الشجرة، أقبل إليه فأر صغير ضعيف لا قيمة ولا وزن له، فحياه بالسلام وقال له: يا ملك الغابة: ما رأيك بأن أنقذك من هذه المصيبة التي ألمَّت بك مقابل أن تعطيني نصف مملكتك «الغابة »؟

وافق الأسد على هذا الشرط وقال للفأر: بل أعطيك كل مملكتي، وبدأ الفأر بقرض الحبل وعاد الأسد إلى عرينه، وسألته زوجته اللبوة عما أصابه فقد ألم به الضعف والإعياء وبلغ منه الإرهاق مبلغه، ورفض أن يخبر زوجته وأولاده حقيقة ما حدث به من ويلات الزمان، فقال لها: لقد أصابني المرض والإسهال من كثرة ما أكلت من اللحوم، حتى صرت هكذا كما تشاهدين.

بعد أيام هجم ألوف الفئران على الغابة التي أصبحت ملكا لهم، فطلب الأسد من زوجته وأبنائه الرحيل قائلا لهم: لا مكان لي في بلد الكلاب فيه تربط والفئران تحل...

ويسلم لي القارئ يارب. وعاش تراثنا الشعبي الفلسطيني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى