الخميس ١٨ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم فتحي درويش

عم إسماعيل اليافاوي

كانا يسيران معا على كورنيش البحر، حين تسللت إلى انفيهما رائحة السمك المشوي ، المنبعثة من المطاعم المنتشرة بمحاذاة شاطئ بحر مرمره ، حيث السمك الطازج الذي يجري اصطياده من البحر مباشرة ، ويتم إعداده ولم يكن قد مضى على اصطياده أكثر من ساعة أو ساعتين، وربما اقل.

التفت خالد نحو صديقه محمود قائلا:

 ما رأيك بعشاء دسم الليلة على الشاطئ؟

هز محمود رأسه موافقا ، ثم هبطا سويا الدرج المؤدي إلى الشاطئ ودلفا إلى داخل احد المطاعم ، وطلبا من النادل وجبة سمك لكل منهما مع بعض السلطات والحمص ، فهز النادل رأسه وانطلق لتحضير ما طلباه منه .

جاء صاحب المطعم الذي كان يتحدث العربية بصعوبة للترحيب بزبائنه :

 أهلا وسهلا ، إنا أدعى إسماعيل

أو يافا لي إسماعيل كما ينادونني

 يافا لي ؟!

قال محمود مستغربا بعد أن لفتت انتباهه تلك الكلمة ، فبادره بالقول:
 أنت أصلك من وين ياحاجي ؟
 انأ أصلي من يافا
 آه أنت أصلك فلسطيني ، هذا ما ظننته إنا في البداية عندما قدمت لنا نفسك، يافالي تعني يافاوي .
 نعم انأ يافاوي
 إحنا كمان من فلسطين .

فقام العجوز على الفور واحتضنهما وهو يبكي ، ثم طلب منهما الجلوس حين بدا النادل بوضع الصحون على الطاولة ، وقال مخاطبا النادل :

 الإخوان ضيوفي اهتم يهم والحساب علي انأ .

التفت محمود نحو الرجل الذي عاد للجلوس معهما على الطاولة، بعد أن انتهيا من تناول الطعام :

 الله يسلم أيديكم على هالاكل اللذيذ .

 صحتين وعافيه

 قل لي ياعم إسماعيل كيف جئت إلى تركيا

أجاب الرجل العجوز ، الذي اغرورق عيناه بالدموع :

 القصة طويلة ياابني ، لقد جئت إلى اسطنبول فارا بمركب تركي في منتصف الثلاثينات ، حين حكم على الانجليز بالإعدام بسبب عملي مع الثوار، الذين كانوا يقاتلون اليهود والانجليز في فلسطين ،وقد تركت أهلي وعائلتي واضطررت للهرب إلى تركيا .
 كانت هجرة اضطرارية مبكرة ياعم إسماعيل
 نعم بريطانيا كانت أصل البلاء ،والانجليز هم الذين سهلوا دخول اليهود إلى فلسطين .

وكانوا يمدونهم بالمال والسلاح ،ويغضون الطرف عن نشاطاتهم ، بلفور الله يلعنه.........

 لايضيع حق ووراءه مطالب ياعم .
 والله نفسي ازور يافا قبل ما أموت
 إن شاء الله تتحقق أمنيتك ياعم إسماعيل .

قال محمود بعد أن نهض وصديقه لوداع العم إسماعيل ،الذي رفض استلام ثمن الطعام منهما ،واستمهلهما قائلا :
 مهلا سوف أعرفكما على صديقي النابلسي صاحب محل الحلويات هناك .
 مأساة إنسانية أخرى لإنسان فلسطيني أخر ربما ؟!

تمتم محمود وهو يسير متأبطا ذراع عم إسماعيل ، باتجاه محل حلويات النابلسي في الجهة المقابلة ، قرب محطة القطار في منطقة" سيركجي" بمدينة اسطنبول.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى