الأحد ٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم فلاح جاسم

رائحة الزيزفون

صرخت أم فضّة بصوت مفاجئ: لـُدِغت( فضّة).. حيّة.. حيّة، عندما كان (مجبل) يسبح مع أقرانه في النهر قفز بشكل لا شعوري ناحية الصوت، فوجد الحيّة فقتلها في الحال، ثم أقبل إلى (فضّة)، حيث كانت تبكي مذعورة، وهناك بعض الدم يسيل من رجلها مع سائل أخر لونه أصفر، إنكبّ( مجبل) على رِجل(فضّة) يَمصّها لإخراج السمّ منها، يمجّه مرّة بعد مرّة، بعد أن ربط أعلى ساقِها، كما علمهم الأستاذ مصطفى في درس الإسعافات الأولية، بعدها تم نقل (فضّة) إلى القرية المجاورة، حيث فيها طبيب وحيد يعالج جميع الأمراض، حتى المستعصية منها، ويؤم الناس في صلاة الجمعة. 

شُـفيت (فضّة) بعد ذلك بمدة وجيزة، وقد حَلفت أم مسعود بأنها شُـفيت بفضل قراءة الشيخ (مِزعل) وفركه وتفله بالأكل الذي تأكله بشكل يومي، شُفيت( فضّة) لكن(مجبلاً) لم يُشفَ من رغبة مصّ رجلها أبداً، حيث بقيت تلك الرغبة تسكنه على مدى عمره كله، ودّ أن يمصّ رجلها كلما رأها، ويبرر لها ذلك، متذرعاً «بشفط » ما تبقى من السم.

أهدى(مجبل) لـ( فضّة) شجرة زيزفون صغيرة موضوعة بكيس بلاستيكي أسود اللون، وذلك لأنه يعرفها تحب رائحة الزيزفون، حيث كان يقطع لها بعض أغصانها ذات الزهور الصفراء الصغيرة، من شجرة كبيرة في فناء المدرسة، وغالباً ما تكون مبللة بالعرق من يديه، لأنه يتحيّن الفرصة لإعطائها لها خشية أن يراه أقرانه ويعيّرونه، أو يقومون بإعلام أهلها فيمنعوها من الذهاب إلى المدرسة.

لم يكن يعرف بأن للزيزفون تأثير مهدئ في حالة توترالأعصاب، ويبعث نوعاً من الإسترخاء في النفس البشرية، ويمكن إستعماله للوقاية من تصلب الشرايين وعلاج ضغط الدم المرتفع، كذلك له تأثير في معالجة بعض أنواع الشقيقة، حيث كانت والدته تغليه مع الشيح والقريصة وتجبره على شربه عندما يمرض في الشتاء. وإلا لأدرك ذلك السرّ عندما كان يقف معها تحت تلك الشجرة 

زرعت( فضّة) شجرة الزيزفون في حوش بيتهم، وقد أصبحت شجرة كبيرة وارفة الظلال بعد أن كبرت هي وكبر(مجبل) أيضاً، وقد انتقل مع أهله للعيش في العاصمة، حيث التحق أبوه بوظيفةٍ هناك، ولا تعلم عنه شيئاً، لكن(مجبلأ) بقي يتذكر( فضّة) طوال تلك المدة، معللاً ذلك الشعور الدائم بأنه بسبب تحريك الريح لأغصان شجرة الزيزفون في بيت( فضّة)، وهذا السبب في أنه يشم رائحة الزيزفون في جميع فصول السنة، بالرغم من عدم وجود أي شجرة زيزفون في الحي الذي تسكنه أسرته، عندها تذكر جده وحكمته في قتل العقرب أو الأفعى إذا لدغت إنساناً؛ إذ أنها إن بقيت حيّةً ترزق وتتحرك يتحرك سُمّها في جسد الشخص الملدوغ ويزداد ألمه.

ولذلك قرر أن يذهب إلى القرية ويأخذ فأساً ويقطع شجرة الزيزفون، لكنه فوجئ بتغيّر ملامح قريتهم التي انتقلت إلى الضفة الأخرى من النهر على شكل بيوت من الإسمنت والحديد، وقد غمرت البحيرة مكان البيوت القديمة بسبب السدّ الذي أُقيم على النهر، رجع وهو يشمّ رائحة الزيزفون من فأسه.. مع أنه لم يقطع تلك الشجرة. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى