الخميس ٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم لمى نور الدين محمد

لماذا يتزوج الرجال من (عاهرات)؟!

كانت أصوات الجيران عالية، و من الواضح أن شجارا ما قد اشتعل بين الزوجين.

دقت «ريانا» بابنا في الساعة التاسعة ليلا، كانت تلك الأمريكية الشقراء، ذات السنوات السبع، ترتجف بقدميها الحافيتين، وحملت لنا رسالة مقتضبة:

 ماما تقول لكم، اطلبوا ال(911)، وأعطوهم عنوان منزلنا، فأبي يضربها، و قد أخفى أجهزة الهاتف...

كم كنت مندفعة، وأنا أطلب الشرطة، لأن ذاكرتي كان قد أحضرت أناسا في البعيد، لا قانون يحميهم، ولا صوت لهم.

جلست «ريانا» تشرب كوب الحليب الساخن، الذي أعده لها زوجي، بينما كنا نسمع صوت سيارة الشرطة، ثم طلبت ورقة وقلما وبدأت الكتابة.

في العاشرة دخلت أم ريانا بيتي معتذرة، وشاكرة.

حضنت ابنتها وقرأت ما كتبته:

(لماذا يتزوج الرجل من عاهرة؟!)

(لأنه أشد عهرا)

**********

من تذكرتهم لا يزالون هناك، في بقعة أرضية قوانينها ذكورية، ورجال الدين (ذوو السلطة) فيها جميعهم ذكور.

حدث في ليلة خميس يعربي، و قبل أن أدخل في سبات التعب بعد اليوم الطويل، أني سمعت صوت طفلة باكية:

 الحقوا "ماما" (موّتها) من الضرب...

نهضت مسرعة لأرى " تالة" ذات الخمس سنوات تبكي و تصيح على شرفة منزلهم، و الجيران جميعهم على الشرف والشبابيك..يستمعون.

لم أدر ما أفعل، الرجال والنساء (القديمين) لم يقدموا على أية خطوة ..ما الذي سأفعله أنا الساكنة الجديدة هنا، وزوجي مناوب في المستشفى.. لكن منظر «تالة» الخائف حد الاصفرار، كان أقوى من جميع ترهات الحياديّة.
وضعت معطفي على ثياب النوم، و خرجت ...

طرقت بابهم أكثر من عشرة مرات، باللباقة أولا وبكامل الهمجيّة لاحقا.. لم يفتحوا لي، لكن صوت «تالة» كان قد ابتعد و خفت.

عدت منزلي على أصوات الجيران و قرفهم:

 (ليش لتوجعي راسك يا دكتورة )، زوجها وحر فيها.
 (شو هالدكتورة مفتكرة حالا رح تصلح الكون).
 أ كيد أم تالة (بتستاهل)، لحتى انفجر الرجل...

عدت إلى منزلي، حزينة أرتجف، جافاني النوم ليلتها فصورة تلك الطفلة بقيت في مخيلتي، تسألني: كم من الخسائر النفسيّة حصدت!

في صباح اليوم التالي، استيقظت على صوت الجرس، نهضت مسرعة، و فتحت الباب لتدهشني كدمات الوجه الملائكي لأم تالة...
دخلت بيتي تتعثر بخجلها، جارة «تالة» من يدها الصغيرة.

 جئت أشكرك يا دكتورة، قالوا لي أنك من طرق الباب البارحة، لولاك لكنت اليوم ميتة..كما أود لو أطلب منك خدمة..هل لي أن أضع «تالة» عندك ساعة فقط ..اليوم يوم عطلة، و لا يوجد رياض أطفال، و يجب عليّ أن أذهب إلى المستشفى كي أطمئن على وضع (جنيني) بعد هذا الضرب.

ومع كل الدهشة التي عقدت لساني، أجبت:

 طبعا..أهلا و سهلا.

كان لبقاء «تالة» عندي وقع جميل، فإحساسي الصاخب بالحزن من أجلها كان كافيا لتضحيتي بيوم عطلة منتظر.

أعطيتها (لوح شوكولا)، وقمت بتشغيل قناة للرسوم المتحركة في التلفاز، ثم أخرجت الغسيل من الغسالة، و بدأت أطويه..فتركت هي التلفاز وجلست تطويه معي.

 لا بأس، سأقوم بذلك بنفسي، كلي أنت(الشوكولا)، ثم سنصنع عصير الفواكه معا ...
نظرت إليّ بعينين عسليتين واسعتين:
 أنت دكتورة؟!
ابتسمت:
 أجل، لكن تستطيعين مناداتي «شمس».
 يعني أنت لست عاهرة؟!
توقفت عن طي الغسيل، وعن التفكير، و نظرت إليها بدهشة، وأنا أكذب أذنيّ..فأضافت:
 أمي« أمينة» ..عاهرة
 هذه الكلمة سيئة يا عزيزتي، أين سمعتيها؟!
وصح ظنّي عندما أجابت:

 بابا يناديها دوما عاهرة، ويقول أن كل النساء عاهرات .

جلست أرتب حديثا سهلا، و مقنعا، لأقتل البذرة الأولى للشيئية وهوان الكرامة عند تلك الطفلة التي بقيت في ذاكرتي إلى اليوم.

قبل أن ترحل مع أمها، قسمت لها من لوح (الشوكولا).. قالت، و هي تبتسم:

 هذه القطعة لك كي تكبري، وتصبحي قوية..وعندئذ لن يقول أحد عنك ..عاهرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى