الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
بقلم حسام صبري

المهنة.. خبير

كنت طفلا ذكيا يحلم بأن يصبح (طيارا) يوماً ما،،
بدأ الحلم بارتياد الفضاء، فقد بهرتنى بذلة رائد الفضاء وخوذته الزجاجية الكبيرة وحذاؤه وباقى أدواته حين رأيتها بالصحف والمجلات ونادراً فى (التلفاز) الذى لم يكن منتشرا حينها.. معلنة ً هبوط أول إنسان على القمر..

ومن طبيعة الإنسان أن تتضاءل أحلامُه تدريجيا كلما كبُر فى السن واصطدم بحقائق الحياة،
قليلون جدا هم من حققوا أحلام طفولتهم بحذافيرها.. وهم الفئة التى نطلق عليها العظماء..
أنا لست منهم بالتأكيد..

لكنى كذلك لا أستسلم بسهولة..

لقد تنازلتُ ولكن بقدر ضئيل، لقد تحول حلمى إلى (طيّار)، بل وأحببته بشدة أكثر من حبى لرائد الفضاء..

ثم أصبحت (طياراً)..

لم تشكل اختبارات الإلتحاق لى أية مشكلة فقد استعديت لها تماما..

لا أقول من سنة أو اثنتين وإنما منذ طفولتى.. حين علمتُ أن اللياقة البدنية ليست فى شكل الجسم وكتل العضلات فقط، وإنما – والأهم - فى قوة تحمله وقدرته على بذل المجهود الكبير فى أوقات قصيرة أو المجهود متوسط الشدة ولكن لفترات طويلة مثل الجرى الطويل.. وفى المرونة وسرعة رد الفعل وفى التركيز للوصول إلى تناسق عضلى وعصبى ممتاز..

طبعا لا أزعم أنى علمت هذه التفاصيل وأنا طفل لكن سؤالى الدائم وقراءاتى لكتب التأهيل الطبِّى للكليات العسكرية وكيفية رفع اللياقة البدنية ومتابعة كل جديد.. كل هذا أكسبنى معرفة قوية بما أنا مقدم عليه..

ولم أكن مقتنعا بتعليم نفسى بنفسى إذ لابدّ من مدرب، وبالتالى لابد من رياضة معينة..
واخترت الوثب العالى أو القفز باستخدام العصا الطويلة..
وكان اختياراً جريئا للغاية فاللعبة صعبة جدا.. بل.. هى أصعب ألعاب القوى على الإطلاق
يجب أن تتوافر فى ممارسها صفات القوة والسرعة والمرونة والتوافق العصبى العضلى والتركيز الشديد وبذل المجهود الكبير لمدة قصيرة أثناء المسابقة أو طويلة أثناء التدريب..
إنها ببساطة الصفات التى تؤهلنى أن أكون (طيارا)..
كان لابد لعمل قفزة واحدة صحيحة من تعلم عشرات التمرينات وإجادة مئات الحركات والقفزات وتقوية العديد من العضلات وزيادة جرعة (اﻠﭭيتامينات)
ثم تمكنت من القفز بنجاح باستخدام العصا..
وحين كنت بالمرحلة الثانوية لم أكن لأترك مجالا للصدفة..
فبمساعدة والدى الطبيب المعروف قمت بعمل كشف طبى كامل أسفر عن وجود دوالى فى منطقة حساسة بجسمى، قمت على أثرها بعمل عملية جراحية لنزع هذه الدوالى..
وكان يوم الإختبار..
أو بالأحرى أيام الإختبارات..
.. كانت تشكل لى متعة غير عادية..
حصدت المراكز الأولى فى جميع الإختبارات.. دون استثناء.
حاصل على مجموع يؤهلنى لأرقى الكليات..
حاصل على شهادة التفوق الرياضى على مستوى الجمهورية فى الجمباز..
مستوى الأداء كان مبهرا بالنسبة للممتحنين..
أذكر أن القائد كان يصرخ فينا: خمسين (ضغط) الآن.. فأنهى أنا العد ّ قبل الجميع صائحاً: مائة (ضغط)، كى يبتسم وقد عرفنى من اليوم الأول قائلاً: وماذا لو أصبحت فرقة خاصة؟ ستأكلنا حينها؟!

نظر حادّ.. سمع فائق.. ثقة هائلة فى النفس – بدون غرور – و..

رسبت فى الإمتحان..

وكانت صدمة غير عادية.. لكنى تجاوزتها ورضيت بقضاء الله، وذهبت بأوراقى لكلية الهندسة.. أحدهم همس فى أذنى بعد ذلك أن سبب استبعادى من كشوف المقبولين هو العلاقة الطيبة بين أبى والإخوان..

ثمّ كانت المفاجأة.. لقد قام أبى – بدون أن أطلب أو حتى أفكر فى ذلك - بالتقديم لى فى معهد الطيران الدولى بولاية (ﻨﻴﭭادا)

ولم أصدق نفسى وعاتبت أبى وأنا سعيد.. فتكاليف هذا المكان ليست كبيرة وإنما هائلة، لا يتحملها سوى فئة خاصة على مستوى العالم..
لكنّه أجابنى أنى ابنه الوحيد والخير كثير والحمد لله وما قيمة الأموال إن لم ننفقها على من نحب؟

وتفوقت بالدراسة.. وعملت بكبرى شركات الطيران.. وأصبحت خبيراً دولياً فى مجالى..
أمتلك الآن مدرسة خاصة لتأهيل الطلبة لدخول الكليات العسكرية..
ثم طلب منى وزير المواصلات فى بلادى – فى إحدى الحفلات – إستشارة تخدم بلدى..
فوافقت على الفور ودون أى مقابل مادى -علما بأنهم لو استعانوا بخبير أجنبى لم يكن ليحصل على أقل من رقم ذى خمسة أصفار-..

لكنى فوجئت بأنها لن تسجل بإسمى.. فاعترضتُ قائلا: يجب أن يتم الطلب بصورة رسمية بحيث أضع فى سيرتى الذاتية بعد ذلك أنى كنت المستشار فى مشروع كذا.. وهذا حقى.. إذ لا أتخيل أن أؤلف كتابا ثم يضع أحدهم اسمه على الغلاف..هذا ظلم.
رفض سيادة الوزير.. وتأسّف بشدة من موقفى هذا..

ثمّ طلب إلى أكبر شركة عالمية متخصصة فى هذا المجال الإستشارة مقابل مبلغا هائلا..
فأرسلت الشركة خبيرأ دولياًًُ يجيد لغتهم..
أرسلتنى أنا..

(انتهى)


مشاركة منتدى

  • اريد ان اعرف عنوان المدرسة التى انشأها للتاهيل للكليات العسكرية او اذا كان لها موقع على الانترنت اجو ارسلة لى باقصى سرعة

  • اشكرك ع الموضوع
    حقيقى ذكرتنى بحلم حياتى منذ الصغر
    تمنيت أن أصبح ضابطة بأحدى الهيأت العسكرية
    لكن الحظ لم يحالفنى
    لسبب بسيط وهوانى خريجة كلية أداب قسم سوسيولوجى والمطلوب قسم سيكولوجى
    الآن أجد تعارض بين الشخصيتين الكابتن الخيالى والانثى الواقعية
    أىأنفصام ف الشخصية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى