السبت ٨ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم طاهرة عبد الحسين جال درة

حجاب المرأة فی شعر أحمد شوقي

الخلاصة

تعد المرأة ومشکلة السفور والحجاب من أهم المیادین التی دارالنزاع فیها وذلک لسعة الخلاف بین المسلمین وبین الغربیین فیما یتصل بها من عادات ومن تقالید. وحین دعا قاسم أمین إلی تحریر المرأة لم یشارک شوقی فی تلک الدعوة مخافة أن یغضب القصر، وحرصاً علی المرأة التی إن رفعت الحجاب، قد تقع علی الرجال الجاهلین، الذین یسیئون إلیها ویلحقون بها الأضرار الفادحة. وکانت دعوة السفور دعوة جدیدة هاجمت معاییر المجتمع لذلک کان من الصعب علیه أن یتخلّی عنها بسرعة لأنها دعوة لم یألفها من قبل. ولکن بعد ان ابتعد عن القصر وتحرر من سیاسته وتقالیده أخذ برأی قاسم أمین ونادی بحریة الأناث. ودافع عن السفور الذی لایری من خلاله سوی جلال المرأة الباعث علی الاحترام.

الکلمات الرئیسیة: أحمد شوقی، المرأة، الحجاب، السفور.

المقدمة

قال الشعراء المحدثون فی کل الأغراض المعروفة، وإن أکثروا في بعضها وأقلوا في البعض الآخر، وقد نظموا کثیراً في الوطنیة والقومیة، وأرخوا الأحداث السیاسیة التی مرت بها الأمة العربیة، ولکن المیدان الاجتماعی کان لهم أرحب، ذلک أن الشعر انّما یجود حین یحس الشاعر بالحریة، وقد فقد الشعراء هذه الحریة فی کثیر من العهود.

أما المیدان الاجتماعی فکان الشاعر فیه حرّاً طلیقاً، مادام لا یتعرض للسلطة الحاکمة بالنقد. ولذلک أکثر الشعراء من الشعر الإجتماعي.

وقد فتحت النهضة عیون الشعراء علی کثیر من المثالب الاجتماعیة فحاولوا وصفها، وأحیاناً کانوا یشیرون إلی علاجها، وکان المرض والفقر والجهل من أخصب الموضوعات الشعریة، وکان سفر المرأة وحجابها وتعلیمها وحصولها موضوعاً آخر. [1]

وارتفعت أصوات « المتغربین » تدعوا إلی إصلاح المرأة علی النمط الغربی وتحمل علی قوانین الإسلام بشأن المرأة. أول من رفع هذا الصوت في مصر « قاسم أمین ». وکان من تلامیذ محمد عبده وتأثّر بأفکاره حین أصدر کتابه الأوّل في نهایة القرن التاسع عشر باسم « تحریر المرأة » لکنّه سلک في کتابه الثانی « المرأة الجدیدة » منحی متغرباً، متحاملاً علی الشریعة الإسلامیة. ودعا السفور وإلی ترک احکام الشریعة لأنّها في زعمه قابلة للتغییر علی حسب الاحـوال والزمان. [2]

ولم یکد یصدر هذا الکتاب حتی أثار ضجة کبیرة، وشغل الرأی العام في مصر اولاً وفي الوطن العربی بعد ذلک، واتهمه البعض بالمروق من الدّین وبتحریض النساء علی الفساد، واشترکت جریدة « اللواء » في الحملة علیه شهوراً طویلة کما أسهم الشعراء أیضاً فی مهاجمة فکرة السفور. وکما اثیرت هذه القضیة في مصر، فقد اثیرت ایضاً في کل ارجاء الوطن العربي. ففی العراق ـ مثلاً: ـ اثیرت هذه المشکلة، واتخذت طابعاً جدلیّاً عنیفاً. [3]. ویصور لنا الدکتور یوسف عزالدین المناخ الاجتماعی الذی نوقشت فیه قضیة سفور المرأة العراقیة في القرن التاسع عشر وأوایل القرن العشرین، فیقول موضحاً أثر دعوة قاسم أمین فی شعراء العراق وکتابه: « من الفترات الحالکة التی مرت بها المرأة في العراق فترة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرین، فقد کانت محجّبة لا یسمح لها بالخروج من الدار إلّا في النهار وتحت مراقبة شدیدة، وقلّما کنّا نری امراة مسلمة تمّر في السوق بل انّ مجرد سماع العراقیین ذلک یهز أعصابهم ویخفیهم، واذا أرادت الخروج کانت تسدل علیها العباءة السوداء أوالعباءتان، وتتبرقع ببرقع أسود لا یری منه شیء، وعلیها أن تمر في الدروب الضیقة والأزفة المتعرجة، وتتجنب المحلات العامة والمقاهی، واذا لم یکن غیر طریق واحد کانت أمهاتنا یطلبن إلینا أن نسبقهن إلی المحل الذی سنزوره، کیلا یعرف الرجال من مصاحبتنا لهنّ هویّتهن وقد یبلغ التعصب بالرجل أن یمنع زوجه الخروج من البیت لأی سبب. ولا یزال بعض الرجال یخجل من ذکر اسم الأم، أوالزوجة أوالأخت أمام الغرباء، ولمّاانبثق القرن العشرون، ودوی صوت قاسم أمین فی مصر، تردد صدی صوته في العراق، فقد طالب بوجوب تعلیم الفتاة وتخفیف الحجاب أورفعه عنها، وأعطائها حقوقها الاجتماعیة، وحریتها الطبیعیة، مستنداً إلی تعالیم الدین الاسلامی التی تمنح المرأة مثل هذه الحقوق، وقد ساعد علی نشر هذه الآراء عنایة الجرائد المصریة بها، والرد علیها، ونشر أخبار المؤیدین لها وکانت هذه الجراءد تصل العراق، وتؤثر في القرائد، فکان منهم المستحسن والمهاجم، وقد انقسم الرأی کانقسامه في مصر. [4].

لعل شعار تحریر المرأة، في طبیعته، ناشیء من الواقع السیّء الذی کانت المرأة تعیشه، في أجواء التقالید والعادات المتخلّفة التی تضطهد إنسانیتها وتعاملها کما لوکانت مجرد شیء من أشیاء الرجل التی صنعت للاستمتاع، من دون أن یکون لها أی دور فاعل في الحیاة. [5]

ویری قاسم أمین ان حجاب المرأة بوضعه السائد لیس من الإسلام. وان الدعوة إلی السفور لیس فیها خروج علی الدین اومخالفة لقواعده فیقول: « لوان في الشریعة الاسلامیة نصوصاً تقضی بالحجاب علی ما هومعروف الآن وعند بعض المسلمین لوجب علی اجتناب البحث فيه، ولما کتبت حرفاً یخالف تلک النصوص، مهما کانت مضرة في مظاهر الامر، لان الأوامر الإلهیة یجب الاذعان لها بدون بحث ولا مناقشة. لکننا لا نجد نصاً في الشریعة یوجب الحجاب علی هذه الطریقة المعهودة، وإنّما هی عادة عرضت علیهم من مخالطة بعض الأمم، فاستحسنوها واخذوا بها، وبالغوا فیها، والبسوها لباس الدین، کسائر العادات الضارة التی تمکنت في الناس باسم الدین والدین براء منها. [6].

وحین دعا قاسم امین دعوته المشهورة الی تحریر المرأة، شارک الشعراء فی تلک المعرکة ما بین مؤید ومتحفظ ورافض وهم جمیعاً مع ذلک کلّه مشارکون فی قضیة حیة مناضلون فی سبیل ما یعتقدون أنه الخیر.

تتدخل عدة أسباب دفعتنا إلی اختیار « حجاب المرأة » من بین موضوعات الشعر الاجتماعی التی تناولها أحمد شوقی « امیر الشعراء ». لهذا الموضوع اثر کبیر فی الحیاة الاجتماعیة العربیة. وکانت دعوة السفور دعوة جدیدة هاجمت معاییر المجتمع لذلک کان من الصعب علیه أن یتخلی عنها بسرعة لأنها دعوة لم یألفها من قبل، واهتز لها واضطرب وعاش في دوامة من الحیرة والقلق لأنه کان بین نارین: العقل ومتطلبات الواقع من تحریر المرأة ومساواتها بالرجل، والتقالید والتربیة الاجتماعیة التی ألفها الفرد.
 [7]. ومشکلة المرأة مشکلة حساسة في المجتمع الذی یری أی خدش في کرامتها خدشاً لکرامته ولکرامة الأسرة کلها ولذلک فقد وجدنا حتی الداعین إلی السفور أرادوه بشروط کیلا یؤذوا مشاعرهم الاجتماعیة التی نشأوا علیها، فقد طالبوا بتعلیم المرأة ومراقبتها وأن یکون سفورها محدّداً بالوجه متعللین بالخوف من نکسة تصیب المرأة. وطالب قسم بتعلیم المرأة اولاً ثمّ سفورها حتّی تتمکن من المحافظة علی نفسها من الرجال. ان الباحثین والدارسین الذین تنبهوا الی الموضوعات الإجتماعیة عند احمد شوقی لم یهتموا بمسألة الحجاب والسفور بصورة مستقلة بل أشاروا الیها بصورة موجزة. ونرید أن نتبین موقفه حول هذا الموضوع ولماذا یتّخذ احمد شوقی موقفین حول موضوع واحد. وقبل أن نتوقف عند الحجاب فی شعره نحاول دراسته مفهوم الحجاب فی القرآن الکریم.

الحجاب فی الإسلام

أوجب الإسلام تحجیب المرأة وقد جاء تشریع الحجاب وأحکامه بالآیات التالیة:

« یَا أَیُّها النَّبِیُّ قُل لِأَزوَاجِکَ وَ بَنَاتِکَ وَ نِساءِ المُؤمِنینَ یُدنِینَ عَلَیهِنَّ مِن جَلابیبهن ذَلِکَ أَدنی أَن یُعرَفنَ فلا یُؤذَینَ وکَانَ اللهُ غفوراً رَحیماً. » [8]
« یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ لَستُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَیتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَیَطمَعَ الَّذِی فِی قَلبِهِ مَرَضٌ وَ قُلنَ قَولاً مَعرُوفاً ـ وَ قَرنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِیَّةِ الأُولی... » [9]
« قُل لِلمُؤمِنینَ یَغُضُّوا مِن أَبصَارِهِم وَ یَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذلِکَ أَزکَی لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا یَصنَعُونَ ـ وَ قُل لِلمُؤمِنَاتِ یَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَ یَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَلیَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوءَابَائِهِنَّ أَوءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوأَبنَائِهِنَّ... . » [10]

إن تشریع الحجاب فی الاسلام معناه: منع الخلاعة بکل ما لها من صور وأشکال وإغلاق باب الانحلال الخلقی، ووقایة المسلمین من الانحدار الی هاویة الشر وحضیض الفساد.
لقد جاء الاسلام بتشریع الحجاب للمرأة المسلمة ایجاباً للحشمة واتقاء للإغراء وابتعاداً عن الفتنة، ومنعاً لنزوات الغریزة الجنسیة، فأوجب علی المسلمة ستر المواضع التی هی مثار للفتنة والإغراء، وداعیة الشر والبلاء.

إنّ التبرج والتبذل والإختلاط الجنسی هوالعامل الاکبر لحصول الفوضی ووقوع المشاکل فی المجتمع، وابتعاد الأمة عن الحق والخیر، وانسحاق القیم الروحیة، والعائلیة، والاخلاقیة، والاجتماعیة. لذلک نجده جاء بأرقی التعالیم والتشریعات التی تحفظ کرامة الأسرة والمجتمع. [11]

إنّ الاسلام لم یمنع الإختلاط بین الرجال والنساء بشکل إلزامی الّا في الدائرة التی تؤدّی إلی الانحراف الأخلاقی. أما الإختلاط المتوازن الذی یضع الحدود الاخلاقیة في نطاق متوازن فإنه لا یبتعد عن الإباحة الشرعیة، علی أساس التربیة الاسلامیة التی تعمل علی تاکید الإلتزام الإسلامی في شخصیة کل من الرجل والمرأة. [12]

وللمرأة الحق في الإسلام أن تقوم بالإصلاح الإجتماعی الذی لا یتنافی مع کرامتها، فتوجه، وتنتقد، وتقدم النصیحة فتلک أمانة حملها کل مؤمن ومؤمنة وقال الله سبحانه وتعالی: « وَ المُؤمِنُونَ وَ المُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِیَاءُ بَعضٍ یَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَ یَنهَونَ عَنِ المُنکَرِ وَ ... » (التوبة، 71). یسوغ للمرأة في الإسلام أن تلتحق بالجیش الإسلامی وتحضر الحرب لتقوم بأعمال التمریض وتؤدی إسعاف الجرحی بسقی الماء ونحوذلک. [13]
.
هنا نقف مع دیوان أحمد شوقی لنستخرج قصائده حول الحجاب والسفور.

الحجاب فی أشعار شوقي

یری شوقی أنّ المرأة تستجیب لدعوة قاسم أمین، وتحاول جاهدة أن تمزق حجابها وتحطم غلّ هذا الحجاب ویقف اول الأمر متردداً بین هواه في تشجیعها، وبین التقالید الإسلامیة التی یشجع علیها القصر. [14].

وکان وهوشاعر الامیر لا یتعدّی بها سیاسة القصر، وتقالیده. فإذا عرض لقضیّة السفور والحجاب، جاری المحافظین فی رأیهم بحجاب المرأة. لأنّ شاعر الأمیر لا یجمل به أن ینادی بالسفور، وإن یکن هواه فیه، وهوالذی شهد حضارة باریس، وتثقف ثقافة غربیّة راقیة. [15]

وقد نظم شوقی قصیدته « بین الحجاب والسفور » فأبان عمّا تلاقیه المرأة من ذل القید فی البیت، وأن هذا القید لا یحتمل ولوکان من جمان، لکنه نصحها مبینا أن هذا القید علی ما فیه أهون علیها من الحریة التی تلقی بها إلی الشارع؛ حیث النسور الکاسرة، والنفوس الشریرة، وقد رمز للمرأة بطائر. [16]

صدّاحُ، یا ملکَ الکَنا رِ، ویا أمیرَ البُلبلِ
بالرغم منی ما تعا لجُ فی النحاس المقفَلِ
حِرصِی عَلیکَ هویً، ومَن یُحرِز ثَمِیناً یَبخَلِ
صَبراً لِما تشقی بِهِ أوما بَدا لکَ فافعلِ
ومنها یحکم بالحجاب وطبیعته:
أنت ابنُ رأیٍ الطبیـ ـعة فیک غیرِ مُبدَّلِ
أبداً مَروُعٌ بالإسَا رِ، مُهدَّدٌ بالمَقتَلِ
إن طرتَ عن کنفی وَقَعـ تَ علی النّسُورِ الجُهَّلِ [17].

یخاطب کناریاً جمیلاً، یعیش فی قفص من نحاس متلهیاً بغنائه والصداح. وهوصاحبه، مستبقیه حرصاً منه علیه، مع کل علمه أنه لوجعل قفصه من الذهب النضار وأحرق له عود البخور، وأمن له کل مباهج الدنیا، لما أرضاه، لأن شهد الحیاة مع العبودیة أمرٌّ من الحنظل. ثم یدعوه إلی التصبّر والانصیاع لرأی الطبیعة فیه، فلا یغادره وإلّا وقع علی النسور الجهّل. [18].

یقول فی رثاء قاسم أمین ویعترض علیه لماذا الحجاب أمر صعب؟

ماذا رأیتَ من الحجاب وعُسرِه
فدعَوتنا لِتَرَفُّقِ ویَسار؟
رایٌ بَدا لک لم تجده مُخالفاً
ما فی الکتاب وسُنَّةِ المختار
إنّ الحجابَ سماحةٌ ویَسارةٌ
لولا وحوشٌ فی الرجال ضواری
جَهِلوا حقیقتَه وحِکمة حُکمه
فتجاوزوه إلی أذیً وضِرار

 [19].

یری التحجّب من مستلزمات الأنوثة فی المرأة وضرورة تمایز بینها وبین الرجل، لولا العسف الذی یرافق فرضه فرضاً فی الأسر الشرقیة.
وفی القصیدة التی نظمها فی الذکری العشرین لوفاة نصیر المرأة یبدأها بتأکید حق المرأة بالتحریر والثبات علی أمر في المعرکة القائمة بین التحجب والسفور، ولکن یتساءل عن حقیقة صنیع قاسم أمین: أ هوغیرة المدافع عن النصوص الإسلامیة، أم هوإغارة المحرف لها عن مواضعها. [20]. ویذکّر القوم باختلافه وقاسم أمین فی الرأی.

ولک البیانُ الجذلُ فی أثنائه العلمُ الغزیر
فی مطلبٍ خَشِنٍ، کثـ یرٌ فی مَزالقة العُثور
ما بالکتاب ولا الحدیـ ث إذا ذکرتَهُما نَکیرِ
حتّی لَنَسأَل: هل تَغا رُ علی العقائد، أم تُغیر
لقد اختلفنا، والمُعا شِرُ قد یخالفه العشیر

 [21]

السفور فی اشعار شوقی

ولکن موقف شوقی یتضح فی هذه القضیة بعد أن یعود من المنفی، ولم یعد یخشی الجهر برأیه، أولأنه رأی الحرکة النسویة قد فاقت ما قدر لها، وأنه لا فائدة من معارضة المرأة؛ إذ صار السفور حقیقة واقعة، بانتشار مدارس البنات، والمساوات بینهنّ وبین البنین في التعلیم، واختلاطهنّ بهم في قاعات الدرس بالجامعة. [22]. وقال فی سنة 1927 وقد ألقیت فی حفلة نسائیة عظیمة انعقدت بدار التمثیل العربی برئاسة السیدة هدی شعراوی:

قل للرّجالِ: طغی الأَسیر طیرُ الحجالِ متی یَطیر؟
أوهَی جَنَاحَیهِ الحدیـ دُ، وحَزَّ سَاقَیهِ الحریر
ذهب الحِجابُ بِصَبرِهِ وأَطَال حَیَرتَهُ السُّفور
ومنها:
إنّ السَّماءَ جَدیرَةٌ بِالطّیرِ، وَهوَ بِهَا جَدِیر
حُرّیّةٌ خُلِقَ الإناثُ لها، کَما خُلِقَ الذکور

 [23].

یبدأ هذه القصیدة بتأکید حق المرأة بالتحرّر، والثبات علی أمر في المعرکة القائمة بین التحجّب والسفور.
یقول تحت عنوان « المرأة العثمانیة »:

یا مَلکاً تعبَّدا مُصَلِّیاً موحِّدا
مبارَکاً فی یومه والأَمسِ، میموناً غدا
مُسَخَّراً لأمّةٍ من حقها أن تَسعَدا
قد جعلَته تاجَها وعِزَّها، والسُّؤددا
وأَعرضت حیث مشی وأطرَقت حیث بدا
تُجِلُّه فی حسنه کما تُجِلُّ الفَرقَدا
أنت شعاعٌ من عَلٍ أنزله اللهُ هُدَی
کم قد أضاءَ منزلاً وکم أنار مسجدا
وکم کسا الأسواقَ من حُسنٍ، وزانَ البلدا

 [24].

هی فی تعظیم المرأة العثمانیة داخل نطاقی الأسرة والأمة. یصفها بأنها ملاک متعبّد، سخّره الله لخدمة الأمة، ولذلک هی تجلّه فی حسنه. ویری أن هذا الملاک وحده هوالخلیق بأن یخلق. (أ. کبا، دیوان احمد شوقی، ج 2، ص 22).

وقال یصف « کوک صو» وهوموقع جمیل، معرّبة ماء السماء. یفّدیه میاه دجلة إذ هوبطهارة زمزم وفرح النیل. وفیه الحسان سافرات، والحسناء، إذا لم تعصمها الأخلاق، فان الحریر لن یفعل، والنساء السافرات کالملائک، وبعضهنّ من المتبرقعات شموس حجبتها الغیوم. (نفس المصدر، ص 21).

تحیة شاعرٍ یا ماءَ (جکسو) فلیس سواکَ للأرواح أنسُ
فَدتک میاهُ (دجلة) وهی سعدٌ ولا جُعلت فداءک وهی نحسُ
ورَدنکَ کوثراً، وسَفَرنَ حُوراً وهل بالحور إن اسفرنَ بأس؟

 [25].

دافع عن السفور الذی لا یری من خلاله سوی جلال المرأة الباعث علی الإحترام. (الحر، احمد شوقی امیر الشعراء ونغم اللحن والغناء، ص 145).

فقل للجانحین الی حجاب أتحجب عن صنیع الله نَفسُ؟
إذا لم یَسترِ الأدبُ الغوانی فلا یُغنی الحریرُ، ولا الدِمقس
تأمل هل تری إلی جلا لأ تُحِسُّ النفسُ منهُ تحِسُّ؟
کأن الخود « مریمُ » فی سُفور ورائیها حواریٌّ وقسٌّ
تهیَّبها الرجالُ، فلا ضمیرٌ یهم بها، ولا عینٌ تُحِس
کأنّ سوافِرَ الغاداتِ فیها ملائکُ هَمُّها نَظَرٌ وهَمس
کأنّ براقعَ الغاداتِ تهفو علی وجناتها غَیمٌ وشمس

 [26].

هذه القصیدة تدل علی الواقع الإجتماعی الذی تعیش فیه المرأة العثمانیة. لأنّ في ترکیا ألغی کمال أتاتورک الخلافة وسلطنة آل عثمان وأقام حکومة جمهوریة علمانیة کان اول رئیس لها سنة 1924 م وحاول خلال مدة حکمه التی استمرت حتی وفاته سنة 1934 م أن یقضی علی کل المظاهر والاحکام والروح الإسلامیة فی ترکیا. ولجأ إلی کل وسائل العنف لتحقیق أهدافه ومما قرّره أتاتورک منع الحجاب. 
 [27]

وألقیت قصیدة مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات فی جمع حافل من السیدات المصریات بمسرح حدیقة الازبکیة وهي في تعظیم الدور الذی تضطلع به المرأة المصریة المعاصرة. فیدعوفي مستهلها إلی خفض الجبین احتراماً لزین المقاصر وزین محراب الصلاة.

ثمّ یرفض التشبّه بالغرب، أمم الهوی المتهتّکات، حاثّاً إلی التسلّح بالتقالید الدینیّة والانصیاع لسنن الخلیقة. [28].

قم حیِّ هذی النَّیِّراتِ حَیِّ الحسانَ الخیِّرات
واخفض جبینَک هَیبةً للخرّد المتخفّرات
زَینِ المقاصِر والحِجا لِ وزین محرابِ الصلاة
هذا مَقامُ الأُمها تِ، فهل قدرت الأمهات؟
لا تَلغُ فیه، ولا تقل غیرَ الفواصلِ مُحکَمات
وإذا خطبتَ فلا تکن خَطباً علی مِصرَ الفتاة
اذکر لها الیابانَ، لا أممَ الهوی المتهتِّکات
ماذا لَقِیتَ من الحضا رة یا أخیَّ التُّرَّهات
لم تلقَ غیر الرقِّ من عُسرٍ علی الشرقیِّ عات
 
 [29].
 
ویقول مؤیداً السفور:
خُذ بالکتابِ، وبالحدیـ ثِ وسیرةِ السلَف الثّقات
هذا رسولُ الله، لم یُنقض حقوق المؤمنات
العلمُ کان شریعةً لنسائه المتفقِّهات
رُضنَ التجارَةَ، والسیا سةَ، والشئونَ الأُخریات
ولقد علت ببناته لُجَج العلوم الزاخرات
کانت سُکَینة تملأُ الدنیا ، وتهزأُ بالرُّواة
روت الحدیثَ، وفسرت آیَ الکتاب البیّنات
وحضارةُ الإسلام تنـ طقُ عن مکان المسلمات

نادی شوقی بوجوب تعلیم المرأة واعطائها حریتها واعتبارها انساناً لها ما للرجل من حقوق وواجبات وإفساح المجال لها لتکون عضواً عاملاً لبناء المجتمع واتخذ الدین الإسلامی وتعالیمه سنداً لهذه الآراء وضرب الأمثلة الحیة من تاریخ العرب وحضارة الإسلام.

ویکتب شوقی في مقالاته ویبیّن موضعتیه في مقالات « بضعة ایام في عاصمة الإسلام »: ثمّ کان منِّی التفات إلی النسوة المصلیّات والاخریات التالیات، ورأیت لهنّ في الاسفار جمال القمار وجلال الابرار، أوهنّ لحور العین في هذه الدار. قد أخذن ما أمر به الشریعة الطاهرة؛ فلم تبد الّا وجوه ناضرة إلی ربها ناظرة ... فلمّا فرغن من صلاتهنّ وانتهین من تلاوتهنّ خففن للذهاب وابتدرن الابواب فرأیت الرجال ینتحون لتعبر النساء وقد ملأوا وقاراً کأنهّم جند والمرأة بینهم لواء فعلمت حینئذٍ انّ سعة الآداب أغنت المرأة العثمانیة عن ضیق الحجاب وانّ اعضاء الرجال قدناب لها عن النقاب فقلت فی نفسي یا عجبا! خرجت من الصدف الجمانة إلی أصداف من التکریم والصیانة وسبحانک ربّی جعلت مضارّ الحجاب في الآستانة منافع في مصر الکنانة. [30].

النتیجة:

هذه رؤیة في شعر أحمد شوقی حول حجاب المرأة وقد حاولنا أن نجمع القصائد التی تدخل في هذا الباب وان نتبیّن موقفه في هذا الموضوع. انه لم یجرؤ علی المجاهرة برفع الحجاب، إلا بعد أن ابتعد عن القصر، وتحرّر من سیاسته وتقالیده. فنقض قصیدة صداح، وأخذ برأی قاسم أمین ونادی بحریّة الإناث. لانّه رأی المرأة في الشرق مقیدة باغلال، وتعیش في ذل وشقاء. لأنّ العادات والتقالید هی التی حکمت المرأة واجبرتها بالخضوع لهذه المظاهر التعسفیة. ویعتقد الرجال بأنّ المرأة لا تصلح لمزاولة الاعمال واشتراکها في المناصب الحکومیة، والنشاطات الاجتماعیة والوطنیة في حالة انّ الاسلام قد منح المرأة حقوقاً لا تقل عن حقوق الرجل. ومن جانب آخر کانت الحریة من متطلّبات المجتمع. فی ضوء ما تقدمنا نستنج انّ تأثیر البئیة والحیاة الاجتماعیة برز في شعر أحمد شوقی حول هذه القضیة. فعقیدته الأساسیة هی ان للمرأة حق الظهور علی مسرح المجتمع من غیر تقنّع فإن لم تکن التربیة الصالحة معقل الفتاة الحصین کان الحجاب لها سجناً لاحصناً. وکانت الدعوة إلی السفور تسیر جنباً إلی جنب مع الدعوة إلی تعلیم المرأة.

وما توفقینا إلا بالله العظیم

‎الهوامش

 أحمد شوقی بن علی بن أحمد شوقی: أشهر شعراء العصر الحدیث، أمیر الشعراء. ولد في القاهرة وتلقّی فیها علومه حتی الثانویة، ثم درس الحقوق والآداب الفرنسیة في مدینة مونبلییة فی فرنسا. وبعد عودته عام 1891 عیّن رئیساً للقلم الإفرنجی فی دیوان الخدیوی عباس حلمي. ندبته الحکومة لتمثیلها في مؤتمر المستشرقین في جنیف سنة 1896، فزار بلجیکا والأستانة. نشبت الحرب الکبری الاولی، عام 1914، فأطاحت بالخدیوی وبطانته، ونفی شوقی إلی برشلونة في إسبانیا، عام 1915 وبقی فیها حتی عام 1919. عاد إلی مصر فجعل من أعضاء مجلس الشیوخ إلی أن توفی . عالج أکثرفنون الشعر: مدیحاً وغزلاً، ورثاءً ووصفاً؛ ثمّ ارتفع محلقاً فتناول الأحداث السیاسیة والاجتماعیة فی مصر والشرق والعالم الإسلامی، فجری شعره علی کل لسان. وکانت حیاته کلها « للشعر » یستوحیه من المشاهدات ومن الحوادث.
راجع إلی:

 حجا، میشال، (1999)، الشعر العربی الحدیث من شوقی إلی محمود درویش، بیروت، دار الثقافة.
 الزرکلی، خیرالدین، الاعلام، ج 1، بیروت، دارالعلم للملایین.
 ضیف، شوقی، (1953)، شوقی شاعر العصر الحدیث، القاهرة، دارالمعارف.
 یعقوب، إمیل، معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة، ج 1، بیروت، دار صادر.

المراجع:

  1. القرآن الکریم
  2. آذرشب، محمدعلی، اللغة العربیة الحدیثة، تهران، سمت.
  3. أ. کبا، إمیل، (1995)، دیوان أحمد شوقی، بیروت، دارالجیل.
  4. البستانی، بطرس، ادباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، بیروت، دارالجیل.
  5. حاج ابراهیم، محمدکاظم، (1385)، الطبعة الثانیة، تاریخ الادب العربی الحدیث، جامعة اصفهان.
  6. الحرّ، عبدالحمید، (1992)، أحمد شوقی أمیر الشعراء ونغم اللحن والغناء، بیروت، دارالکتب العلمیة.
  7. حسن فهمی، ماهر، (1959)، شوقی شعره الاسلامی، مصر، دار المعارف.
  8. الدسوقی، عمر، (2003)، الطبعة الثانیة، فی الادب الحدیث، المجلد 2، دار الفکر.
  9. دعبیس، سعد، (1983)، التیار التراثی فی الشعر العربی الحدیث، دار الفکر العربی.
  10. شوقی، أحمد، الشوقیات، بیروت، دار الکتاب العربی.
  11. عزالدین، یوسف، (1977)، الشعر العراقی الحدیث والتیارات السیاسیة والاجتماعیة، القاهرة، دار المعارف.
  12. فضل الله، محمدحسین، تأملات اسلامیة حول المرأة، قم، دار الکتاب الإسلامی.
  13. محمدحسن (العماری)، علی، (1980)، التاریخ الأدبی للعصرین العثمانی والحدیث، جمهوریة مصر العربیة الازهر الادارة العامة للمعاهد الأزهریة.
  14. محمدحسین، محمد، (1998)، الطبعة الحادیة عشر، حصوننا مهددة من داخلها، بیروت، مؤسسة الرسالة.
  15. منصور الجمری، عبدالأمیر، (1989)، الطبعة الرابعة، المرأة فی ظل الإسلام، بیروت، دار الهلال.

طاهره چال درة

 طالبة قسم اللغة العربية وآدابها فی مرحلة الدکتوراة
 الجامعة الاسلامية الحرة فرع علوم وتحقيقات طهران


[1(محمـد حسن، التاریخ الأدبی للعصـرین العثمانی والحدیث، ص 79).

[2(آذرشب، اللغـة العربیـة الحدیثـة، ص 274).

[3(دعبیس، الیتار التراثی فی الشعر العربی الحدیث، ص 146)

[4(عزالدین، الشعر العراقی الحدیث والتیارات السیاسیة والاجتماعیة، ص 212)

[5(فضل ا...، تأملات اسلامیة حول
 المرأة، ص 26).

[6(حاج ابراهیمی، تاریخ الادب العربی الحدیث، ص 220)

[7(عزالدین، الشعر العراقی الحدیث التیارات الساسیة والاجتماعیة، ص 212)

[8(الاحزاب، 59)

[9(الاحزاب، 32-33)

[10(النور، 30-31).

[11(منصور الجمری، المرأة في ظل الإسلام، ص 199).

[12(فضل الله، تأملات اسلامیة حول المرأة، ص 20).

[13(منصور الجمری، المرأة فی ظل الإسلام، ص 216)

[14
(الدسوقی، في الأدب الحدیث، ج 2، ص 200)

[15(البستانی، أدباء العرب فی الاندلس وعصر الانبعاث، ص 290).

[16(محمدحسن، التاریخ الأدبی للعصرین العثمانی والحدیث، ص 80).

[17(شوقی، الشوقیات، ج 1،ص 176)

[18(أ. کبا، دیوان احمد شوقی، ج 1، ص 48)

[19(شوقی، الشوقیات، ج 3، ص 78)

[20(محمدحسین، حصوننا مهددة من داخلها، ص 83)

[21(شوقی، الشوقیات، ج 2، ص 168).

[22(الدسوقی، فی الأدب الحدیث، ج 2، ص 20)

[23(شوقی، الشوقیات، ج 2، ص 166)

[24(نفس المصدر، 
ص 28)

[25(شوقی، الشوقیات، ج 2، ص 52)

[26(شوقی، الشوقیات، ج 2، ص 52)

[27(آذرشب، اللغة العربیة الحدیثة، ص 275)

[28(أ. کبا، دیوان احمد شوقی، ج 1، ص 34)

[29(شوقی، الشوقیات، ج 1، ص 103)

[30(حسن فهمی، شوقی شعره الإسلامی، ص 147)


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى