السبت ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٠

نقاط التفتيش 

رضا الحربي

انحدرت السيارة إلى اليمين، وَقدْ استوقفتها نقطهَ التفتيش الرابعة،كانت وجوه الركاب تبدو عليها علامات التذمر والإرهاق من الإجراءات التعسفية لتلك النقاط، بدا التعب مرسوم على الوجوه السمراء التي أرهقتها سني الغربة العجاف حيث الركض اليومي وراء لقمة العيش والتي بالكاد تخرج من أصحاب الكروش المنتفخة والدشاديش البيضاء اللذين يكونوا اشد ورعاً بالنهار، وأكثر عهراً بالليل حيث يلتهمهم الجبل أو المنتديات الليلية، أو من الحوزة الدينية عند سيدتنا زينب عليها السلام، والتي كثيراً ما يرى عوائل برمتها تنتظر السيد الذي يعين لهم مبلغاً شهرياً من المال بعد مشقة بالغة لسباق ماراثوني كبير ينتهي بالشكر والتقبيل لأيادي ذلك السيد، أو عند باب توما حيث الجمعيات الخيرية، كم مقت ساعات الانتظار؟ أمام أبواب تلك الدوائر التي كانت أكبرها الجمعية العامة للأمم المتحدة في كفر سوسه لاستلام المبلغ الذي خصص لعائلته، أو استلام حصة التموين الشهرية في عذرا،ا لمناطق إلفها كما إلفها غيره من أبناء جلدته،كان للبعض زفير حار وهم يستعجلون الوصول حيث العاصمة بعد فراق طويل،فيما الرجل البدين هز يده حلقات ليعبر عن أستيائه،هدر صوت من تحت ألسيارة: لينزل الجميع. 

 أخذ الركاب بالنزول الواحد تلو الآخر ولشد ما أتعبتهم البضائع التي افترشت أرضية السيارة حيث شق ا لطريق بمشقة غير مألوفة، وما أن تطأ قدميك الأرض إلا وأنت متقطع الأنفاس، وكأنك نزلت لتوك من مركبة فضائيه ولكن بملابس سوداء حيث الدهون السوداء التي خلفها احتراق عجلات السيارة، وقد أشار الذي صعد جنب السائق إلى ألمرضى والنساء ,والرجل البدين في البقاء في أماكنهم، أصطف الركاب في طابور طويل، كانت في أيدي الجنود الأمريكان قوائم لمطلوبين، وقد طبعت صورهم بالأسود والأبيض جنب أسمائهم،اخذوا بالنظر إلى جوازات الركاب ثم إلى الوجوه ليندفعوا في طابور أخر من جديد ليتم تأشير جوازاتهم، تفرق الجمع ما بين المصلى لأداء الفريضة، وقسم أخر دخل المطعم لينهك جيوبه بغلاء الأسعار فيما آخرون افترشوا دكه المطعم ووضعوا زادهم بينهم واكتفوا بشراء الكولا والشاي وبعض من المكسرات، رن زمور السيارة يستعجل الركاب ليركبوا في السيارة من جديد، تحركت فرامل السيارة لتعتدل في مشيتها على الجادة الرئيسية للشارع العام أتى صوت من المؤخرة يطلب من السائق التوقف قائلاً: انتظر فقد اختفى الرجل السمين.

كنت أحسبها أحدى قصص الكاتبة أجاثا كريستي،شاهت الوجوه تبحث عنه في كل الاتجاهات صاح طفل في أحضان أمه:ها هو !(دبه حميسه يأكل هريســـــ)ولكزته أمه فصمت.

وتنفس الجميع الصعداء، فيما رمقه آخرون بنظرة استياء، سارت السيارة بسرعتها المقررة،واحتدم النقاش بين الركاب من مستعرضين الأيام السوداء والسلب والنهب والذبح عند الكيلو متر 160المرعب، الرجل السمين أسترق السمع للحديث الذي بدأ يقطر دماً، وقد اخذ وجهه يشحب قليلاً ويصفر وانتابته قشعريرة، وتذكر ولديه ودمهم المسفوح قبل خمس سنوات في هذا المكان،اتصل بأهله مستعلماً عنهم أجابوه الم يصلوا أليك؟! حينها لطم وجهه، وأقيم العزاء، اظهر عدم اكتراثه للأمر وقام بالبحث في موبايله عن أرقام وهميه ومد يده إلى ربطه عنقه وجعلها مدلاه على صدره وحرك رقبته قليلاً،تناول علبه المياه المعدنية واخرج علبه دواء السكري وازدرد حبتان،التفت جهة اليمين ثم الشمال، حاول أن يتناسى الحديث الذي اخذ يرن في أذنيه كطنين ذبابه مزعج فلم يفلح، وصرخ فيهم مؤنباً،ساد صمت بليغ الجم الجميع، وتغير مسار الحديث وكل التفت إلى رفيقة يحادثه،قلت في سري: ما أطيب هوائك يا عراق. 

وسقطت مني دمعتان واحدة لحزن مضى والأخرى لفرح آت ،سارت السيارة وهي تسابق قرص الشمس الذي تحول إلى الحمرة المغربية،كان المقعد الذي إمامي منحن إلى الخلف، وبدا يضايق ركبتي وأشعرَّت زوجتي الراكبة أمامي بضرورة تقدمها إلى الإمام وما كان من الأخرى إلا أن تستجيب معتذرة، عندها خلدت إلى النوم،اقتربنا من نقطة التفتيش الخامسة وانزلوا السائق إلى الأرض،انطلق الرصاص سقط معاونه قتيلا في الحال عند باب السيارة الأمامي،الركاب كانوا مندهشين لما يجري،فمنهم من لجم فمه ومنهم من غدا ساكناً لا يقوى على الحراك، الرجل البدين اخذ يصرخ عندما رآهم يذبحون شاباً في مقتبل العمر، بدا أفراد السيطرة بتوجيه السيارة في طريق ترابي حيث لا بشر في المكان أتاني احدهم وصرخ في وجهي وهو يجرني بقوه، عندها استفقت فقد اوقضتني زوجتي وهي تربت على كتفي لتقول لي: وصلنا حبيبي. 
 
أنه الغبش وقد استيقظت بغداد على نور الفجر الجميل، وكانت فيروز بصوتها الشجي عبر مذياع السيارة وهي تغني أعذب الإلحان (ردني على بلادي) سحبت حقائبنا، وإذا سواق الأجرة والبضائع النازلة قد أحاطت بالمكان، خلصت نفسي وزوجتي بعد جهد مضني، تركت الحقائب أرضاً، وتوجهت إلى قبله المصلين،لأسجد عند ارض الوطن 
 
 

رضا الحربي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى