الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
بقلم طارق الصيرفي

لن تصلبوني مرةً أخرى

 1 -

لَيلٌ وَأُغنِيَةٌ وَنايٌ..

يَصنَعُ اللَّحنَ الحَزينْ

وَدُموعُ أُمي تَحتَ نَخلَتِها ،

تُعَلِّمُني القِراءةَ وَالكِتابَةَ..

وَالكَلامَ ، وَلم أَزلْ في الغَيبِ طِفلاً أَو جَنينْ

حَكَموا عَليَّ بِأَن أَموتَ قُبَيْلَ أَن آتي إِلى الدُّنيا..

وَجِئتُ ، وَجِئْتُ أَمتَلِكُ اليَقينْ

نَفْيٌ.. وَتَشريدٌ وَتَغريبٌ.. وَتَعذيبٌ..

وَإِنّي عائِدٌ..

لِلبَيتِ مَرفوعَ الجَبينْ

لا تَحزَني أُمَّاهُ !‍‍‍‍‍‍ سَوفَ نَعودُ..

سَوفَ نَعودُ لِلمَهدِ – العَرينْ

 2 - ‍‍

طَرَدوا جَميعَ الأَنبِياءْ..

طَرَدوكُمُ..

لا تَيأَسوا إِنْ عَيَّروكُمْ ، أَو نَفوكُمْ

خارِجَ الدُّنيا وَما بَعدَ السَّماءْ

طُوبى لَكُمْ..

طُوبى فَأَنتُم مِلحُ هذي الأَرضِ..

أَنتُم كُلُّ ما في الأَرضِ مِن لَبَنٍ ، وَمِن عَسَلٍ

وَمِن رَمْلٍ وَماءْ

لا تَحزَنوا ، لا تَيأَسوا..

روما لَهُم ، روما لَهُم

والله مَوْلانا..

سَيَنصرُنا وَيهزِمُ مَنْ يَشاءْ

 3 -

أُمَّاهُ ، إِنِّي قَد تَعبتُ مِنَ الرَّحيلِ إِلى الرَّحيلْ

وَحدي أُحَدِّقُ في الظَّلامِ وَلا أَرى شَيئاً..

أُحَدِّقُ في الفَراغِ وَلا أَرى أَحَدَاً..

(( أَضاعوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعوا ))

لمْ أَثِقْ بِهِمُ..

أُحَدِّقُ في الحُقولِ ، وَلا أَرى شَجَرَ النَّخيلْ

هُزِّي إِليْكِ بِجذْعِها..

مِنْ أَينَ يا أُمِّي النَّخيلْ ؟!

سَرَقوا النَّخيلَ ، وَأَرضَنا وَسُهولَنا..

وَجِبالَنا وَمِياهَنا..

سَرَقوا الشَّواطِئَ وَالأَغاني وَالأَماني وَالرُؤَى..

وَالقدسَ وَالمَهدَ الجَميلْ

نَهَبوا الجَليلْ..

سَلَبوا الخَليلْ.

صارَعْتُ مَوتي وَانْتَفَضْتُ..

كَسرتُ قَيدي عَن يَدي..

وَنَزَعتُ تاجَ الشَّوكِ عَن رَأْسي ،

وَعَن وَجْهي وَعَنْ جَسَدي النَّحيلْ

أُمَّاهُ لا تَتَأَثَّري أَو تَحزَني..

أُمَّاهُ لا تَبكي فَإِني عائِدٌ..

وَالرُّوحُ يَحمِلُ مَوتَهُ مُتَفائِلاً..

وَالليلُ أَطوَلُ مِن طَويلْ

 4 -

وَطَني هُنا ، شَعبي هُنا ، وَأَنا هُنا..

مِنْ بَيتِ لَحمَ إِلى الجَليلِ..

مِن الجَليلِ لِبيتِ لَحمَ..

وَرُبَّما تَغتالُني الطُرُقاتُ يا أُمي

فَأَمضي لِلمَدى ، وَإِلى جُروحي الثَّائِرَهْ

 باعوكَ بَل صَلَبوكَ..

كَيْ يَرِثوا المَكانَ – كَما يُحَلِّلُها المُؤَرِّخُ وَالرُّواةُ –

وَلا مَكانَ لَهُمْ ، وَلا حَتَّى زَمانَ لَهُمْ..

وَجاؤُوا.. مِن فَيافي الأَرضِ جاؤُوا..

مِن مَنافي الكَونِ ، كَي يَرِثوا البِلادَ الصَّابِرَهْ

 الله ما أَحلى بِلادي كُلَّها‍‍‍‌‌‍‍‍‍‍‍ ! ‍‍‍

مِنَ بَيتِ لَحمَ أَجوبُها لِلنَّاصِرَهْ

مِن أُورْشَليمَ ، تَجوبُني لِلسَّامِرَهْ

حُرَّاسُ هَيْكَلِهِمْ – وَما في القَلبِ هَيْكَلُهُم – ذِئابٌ كاسِرَهْ

الله يا الله ، طَهِّرْ أُورْشَليمَ..

مِنَ الوُجوهِ الكَافِرَهْ

طَهِّرْ بِلادَ القُدسِ ، مِن رِجْسِ الكِلابِ الماكِرَهْ

 5 -

لمَ تَكتَمِلْ بَعدُ القَضِيَّهْ

وَالمَسرَحُ المُكتَظُّ بِالتَّمثيلِ وَالجُمهورِ..

قَد سَقَطتْ سَتائِرُهُ..

وَقَدْ بَدَأَتْ بِصَلبي المَسرَحِيَّهْ

وَأَنا أَصيحُ ، أَصيحُ يا أُمِّي..

(( أَضاعوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعوا ))

لَمْ تَزَلْ أُمِّي هُناكَ بِأَرضِنا..

مَزروعَةً تَبكي عَلَيَّهْ

تَبكي عَلى عُمري الذي سَرَقوهُ مِنْ أَحضانِها..

وَبَكَتْ عَلَيَّ المَجْدَلِيَّهْ

غَسَلَتْ بِأَدمُعِها لُعابَ الذِّئْبِ عَنْ قَدَمي ،

وَعَنْ جُرْحَينِ نَزَّا في يَدَيَّهْ

 6 -

أَيْنَ الأَرامِيُّونَ ؟ هَلْ ذَهَبوا وَهَلْ هَرَبوا ؟

وَإِسرائيلُ تَقْصِفُ كُلَّ ثانِيَةٍ – بِمِدفَعِها –

وَكُلَّ دَقيقَةٍ فَرَحي وَأَحلامي..

وَلَيْلَ قَصيدَتي وَطُفولَتي..

أَيْنَ الأَرامِيُّونَ ؟ هَلْ سَكَتوا وَهَلْ صَمَتوا ؟‍‍‍ ‍

وَكمْ أَنْكَرتَني يا بُطْرُسُ العَرَبِيُّ ، كَمْ أَنْكَرْتَني

 7 -

إِنِّي أُواجِهُ دَوْلَةً..

جَيشاً بِأَكمَلِهِ..

أُواجِهُ طائِراتٍ قاصِفاتٍ.. قاذِفاتٍ بارِجاتٍ..

كُنْتُ وَحدي آهِ.. يا أُمِّي ،

وَلَمْ تَتَحَرَّكِ الدُّنْيا..

وَلا الأَعرابُ ، لكِنِّي صَمَدْتُ أَمامَهُمْ

وَصَرَختُ مِنْ فَوقِ الصَّليبِ..

صَرَختُ : لا.. لَنْ تَصْلِبوني مَرَّتَيْنْ

وَتَكاثَروا حَوْلَ الصَّليبِ ، تَكاثَروا مِثلَ الجَرادِ..

وَدَمْعُ جُرحي سالَ مِنْ كِلْتا اليَدَيْنْ

لَنْ تَصلِبوني مَرَّةً أُخرى..

بَني صَهيونَ لا..

لَنْ تَسْلُبوا حُرِّيَّتي أَبَدَاً..

( قَيافا ) حُكْمُكَ القاسي يُرَدُّ إِلَيْكَ يَومَاً ما ،

وَلا.. لَنْ تَصلِبوني مَرَّتَيْنْ

 8 -

شُكْراً لِروما ، فَصَّلَتْ صُلبانَها..

فَبِحَجْمِ هذا الكَوْنِ كانَ صَليبُها..

وَأَنا وَحيدٌ في المَدى

بِيلاطُسُ البُنْطِيُّ ، يُعْلِنُ عَنْ بَراءَتِهِ

قُبَيْلَ الصَّلْبِ.. يَغْسِلُ بِالمِياهِ..

يَدَيْهِ يَرْجِعُ كَالمَلاكِ بَراءةً

وَيُشِعُّ نُورَاً أَو نَقاءً أَبْيَضَاً..

هذا المَلاكُ بِقلبِ شَيطانٍ رَجيمْ

هذا يَهوذا الخائِنُ العَرَبيُّ..

لَن يَتَكرَّرَ التَّاريخُ ثانِيَةً..

يَهوذا سَوفَ تُصْلبُ ، سَوفَ تُقتَلُ وَانْتَظِرْ

لَن يَرجِعَ التَّاريخُ ثانِيَةً..

وَسَوفَ تَذوبُ في نارِ الجَحيمْ

 9 -

لَن تَصلِبوني..

رُبَّما سافَرْتُ في رُؤْيايَ..

لِلوَطَنِ – المَدى ، المَنْفى – المَدى

وَصَرخْتُ مِن فَوقِ الصَّليبِ..

صَرَختُ لَن أَتَرَدَّدَا

رَجَعَ الصَّدى وَتَرَدَّدَا

نَزَفَ الوَريدُ فَقُلتُ : لَنْ أَتَجَمَّدَا

عانَقتُ مَوتي..

وَاتَحَدتُ مَعَ الرَّدى

لأَعيشَ ، لا لأَموتَ..

في دَوَّامةٍ..

وَأَتى فَراشُ العُمْرِ من عُمْقي البَعيدِ مُقَيَّدَا

أَطْلَقْتُهُ ، فَصَحا الفُؤادُ وَغَرَّدَا

صَرَخَ الفُؤادُ وَأَنْشَدا..

لَن تَصلِبوني مَرَّةً أُخرى..

وَلَنْ أَتَقَيَّدا

 10 -

لَمْ تَكْتمِلْ بَعدُ القَصيدَهْ..

هَلْ غادَرَ الشُّعَراءُ مِن زَمَني ؟‍‍‍‍‍‍!

لَمْ تَكتمِلْ بَعدُ القَضِيَّةُ وَالعَقيدَهْ..

هَل غادَرَ الشُهَداءُ مِن وَطَني ؟!

وَصَرَختُ :

(( يَمَّا مويلِ الهَوى

يَمَّا مويلِيَّا..

ضَرْبِ الخَناجِرْ وَلا..

حُكمِ النَّذِلْ فِيَّا..

يَمَّا مويلِ الهَوى

يَمَّا مويلِيَّا..

ضَرْبِ الخَناجِرْ وَلا..

حُكْمِ الصَّهْيونِيَهْ.. ))


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى