الثلاثاء ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم منى ظاهر

زياد جيّوسي سادنُ الأطياف المتمرّدة

أنتَ القارئ وأنتِ القارئة، وهو السّابح في ملكوت عشقه الدّاني؛ كما لو أنّكَ تتخيّله: هو المستند على نمارق أحاسيس ملوّنة، يصخي السّمع لبوح الياسمين الـ يتسلّق لبلاب الرّوح المتأتّية من نور الله/ شفافية الطّبيعة.

كما لو أنّكِ ترقُبينه مِن حبره العابق بوضوح لما يعتمل هذيانات دواخله ودواخلك، ليخطّ حالات من وطن/ حبّ يجتاح الكينونة كلّها.

كما لو أنّنا نهجس بما ينكتب فينا من نوستالجيا غائرة في أجساد الفوضى، الّتي منها ننبثق بمباسم من نسرين وروائح صفصاف ومذاقات زيتون.

هو زياد جيّوسي، غريب مع الواحة الملهِمة، قريب من طيفه الرّاقص على أنغام نيران قلبه، المقاتل بحقيقيّته في قارب أوراقه المثقلة بحنين ذاكرة، تلهج بزمكانيّة الهويّة الصّامدة المترسّخة فينا، في قلب المليكة فلسطين.

نصوصه المتمرّدة بأطياف مضمونها تتحنّى بنسغ خطاب يتوق لإنسانيّة حقّة، فيها ولع لأرواح زاخرة بجوّانيّة معادن تمتشق سراديب مغلقة في عمق أعماقنا نحن البشر.

في قهوة صباحاته تتفتّح الزّنابق من خلف إطلالة المنفى والاغتراب ومن أمام غيوم الشّتات والوطن، لتتنشّق الكلمات روائح الأمكنة وتَرصّد تراب الأرض والحجر.

وبنهاراته استعادة للمنسيّ قسرًا والمُبعد جبرًا، المنْشَقّ في أنهار الوجدان الّذي استلبته آلة القمع والاحتلال.

وفي أعشاب مساءاته هو العرّاب، تصدح صور الشّخوص الملتهبة من مخيّلته المسكونة باندلاع الطّرقات والبيوت وتنقّلاته في أسْره وحصاره والدّفء في حريّته وملاذه.

يخطّ زياد جيّوسي بخطى مونولوجاته المتمثّلة بنصوصه هذه طريقه الّتي يلفّها بأمل الوصول إلى مرفأ أخضر، إلى وشم أبديّ أسفل كتف الرّبيع لتتوهّج ألوان الخريف نضرة وحياة. فهو الحامل بكفّيه شجنه ووجده وكمده، ويصرّ رغم ذلك على الفرح والضّحك والأمل. ويصل بحساسيّته ولغته القريبة من العاديّ بسلاستها، سماواتنا المتنوّعة والمتكاشفة على بعضها لنتغنّى كلّنا بترنيمة الحلم، الوطن، العشق.

في صفحات أطيافه هذه، ينقل لنا الكاتب المتأمّل دائمًا زياد جيّوسي يوميّات الفلسطينيّ في أرضه المتنازع عليها أبد الدّهر، ويسجّل لنا أحداث: إغلاق الشّوارع والبطالة، الحصار، دمار البنية التّحتيّة، إقتتال مستمرّ بأمنية لحلّ يدحره، القتل على خلفيّة شرف العائلة لنبذ هذه الظّاهرة، نموّ بيلسان وسوسن، لقاء حبيبين بعد فراق طال أعوام، توهّج ألوان قزحيّة تملأ السّماء، إشراق شمس لسعادة فارهة، نوم على وسادة حرير بهدهدة همسات ناعمة، روح تثأر لجروحاتها عن طريق سفر تحتيّ ينحفر بصدق في قامةٍ صامدة، أفكار للتّحسين والتّثقيف والتّرميم؛

أفكاره تلك الّتي لا تُرجَأ ترفل في المكان وتتساقط منسابة على كلّ الأشياء من حولنا، تتسرّب لتدخلنا وتتركنا متشوّقين للومضات الّتي تبقيها فينا بقصديّاتها بمسوّغ جماليّ وموضوعيّ. ولا ينحصر المكان عندها على دخان لفافات التّبغ المتطايرات منه أو نكهات التّوابل المكتنزة في خبايا يراعاته ورؤاه، بل عندها نتدافع من أجل تطرّف وحشيّ نحو المتمرّد المفيد في الأشياء والكائنات والشّخوص الماثلة في كلّ ما يحيط بيئتنا الّتي من حضارتنا وموروثنا، وفي كلّ ما هو قابع في فضائنا الدّاخليّ والخارجيّ وفي زماننا السّرّي الّذي ندأب لأن يشاركنا فيه كلّ من وما هو حقيقيّ.

مبروكٌ هذا الكتاب المشتعل بأقراص عسل على أجنحة فراشات تجرّ ياقوت المعاني في العناوين وقامات الموضوعات، الّتي يستنطقها الصّديق الكاتب زياد جيّوسي بتألّق الأطياف وتمرّدها.

ولأنّه الأجمل روحًا ووجدانًا، والملتزم دائمًا بكشف قضايا ومظاهر الوطن في كافّة مستوياته السّياسيّة، الاجتماعيّة، النّفسيّة، الاقتصاديّة، الفرديّة والجمعيّة بكلّ ما فيها من مشاعر ومواقف سلب وإيجاب بدافعيّة عاشقة دائمة التّحليق.. سنتناول نصوصه قراءة وتمعّنًا لاستغوار عناصره المنقوشة ماسًا.. وستظلّ أذهاننا وبصيرتنا تنتظر متحفّزة الآتي القريب بثقة وتفاؤل وراحة، لأنّ النّصّ الجيّد يدلّل على معدنه حين نستشعره بوعي حواسّنا ويقظة مدركاتنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى