السبت ٢١ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

رمضان كريم

رمضان كريم .. حسنة لله يا مسلمين، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، لله ... هكذا كل يوم رمضاني وغير رمضاني، حين تأتي إلى المسجد وقت الصلاة، لتقف على بابه واضعة ابنتها المعوقة في حجرها، تستجدي عطف المصلين من المسلمين، اعتادوا هم على منظرها، شكلها أمسى مألوفا عليهم، ففي كل يومين أو ثلاثة تأتي لتستعطي من المصلين، غطت وجهها بقطعة شفافة سوداء خجلا من عمل، ولكن ما باليد حيلة فالصغار جياع والمرض اشتد بابنتها التي تصارع الصرع، وجر معه الإمراض فأصيبت بالعجز، هكذا كانت تروي قصتها للناس، لم تتصور في يوم ما إنها ستكون متسولة، أجبرتها الأيام وعيون النوايا الفاحشة من السعي لامتهانها، بعدها راق لها التسول والربح السريع، بكلمات يرددها الكثيرون في الشوارع والأزقة، وحتى في البيوت والجوامع، ولكن لم يجني أحدا منهم كما تجني هي.

في الجهة المقابلة من المسجد يوجد محلا لبيع قطع لغيار الادوات الكهربائية، حين يأتي رمضان يكسد العمل والبيع والشراء، لا يدري لماذا؟ والكثير يركنه إلى القدرة الشرائية التي استنفذت على التسوق في شهر رمضان والصوم والتعب، والقليل يعتبره شهر بركة ورحمة أوجبه الله طاعة وإيمان، وتزداد أعمال العبادة فيه بعيدا عن المصالح الذاتية ولهو الدنيا، كان هذا الرجل لا هم له سوى ان يعد الأشخاص ومن يعطيها صدقة جارية، يحاول بشدة معرفة فئة النقود التي تعطى لها، ويعض على شفتيه حسرة، يلوم الوضع الذي تردى وأصبح الاحتيال فنون، فالدولة ومن عليها تحتال على الشعب، وهم فيما بينهم يحتالون على بعضهم البعض، لم يتغير شيء، بل زاد الفساد وكثر وأعلن عن محاربته، ولكن لم يحارب سوى الفقير والمسكين، أما غير ذلك فلا، كانت سنينه الماضية بعد أن عاشها في ركن زنزانة قد لحست بعض جوانب عقله، ليس مجنونا وإنما جعلت منه مستنفرا لكل العاهات، مستنقدا كل آفات الدولة التي ترمي بها في الوطن مسببة الشقاء لأهله، وهذا نتيجة عدم احترام المسئولية والوطن والأرض والناس، لذا بات كل شيء سهل حتى الدعارة أمست عملا مشروعا، لما لا؟! فالتقدم والحضارة تقاس بضرب الكؤوس بحرية، أما التسول فهذه ظاهرة تنشأ لأنها سهلة ولا تحتاج أدوات فنية وشهادة خبرة، بل لصوصية لذا نراها رائجة بشكل واسع، هذا شأنه طوال النهار قابع أمام باب محله يردد تلك العبارات، لم يحاول أحدا الدخول اليه والشراء او حتى السؤال عن حاجة ما، فيقول لنفسه: يا لحظي ما هذا البخت العكر، أنظر يا تعس كم تجني عبر كلمات ترددها، وما أكثر من يرددها في زمننا هذا، لنيل عطف الآخرين، صحيح ليس الكل يدفع فالبعض قد أسكن عقربا في جيبه، حتى تكاد يده تشبع لدغا حين مدها لإخراج نقود، أما الألسنة والأقاويل التي يسمعها حين حديث قبل الصلاة عنها، أصبحت كاسطوانة مشروخة مل تكرارها وعَرجها ووقوفها في نفس المكان، لم تعير للغمز أو الكلمات الجانبية التي يرميها البعض عليها أهمية فمثلهم الكثير، المهم إنها تأخذ ما تريد، حتى ذاك اليوم الذي صرخ بها صاحب الدكان قائلا:
 هيه أنت .. عليك الرحيل من هذا المكان، فقد ضجرت من منظرك البريء هذا واستعطافك الناس الأبرياء بابنتك تلك، ألا تخجلي من منظرك هذا؟ لقد عرفت عنك كل شيء بعد ان تتبعتك ولم أرى انك تشكين من عوز، فلديك بيت وأولاد كبار وزوج يعمل، أما هذه فليس ابنتك، إنها ابنة جيرانك تأخذينها للاستجداء بها كما علمت، بعد ان تدفعي مبلغ من المال لأهلها، تجمهر المصلين وغير المصلين على صوت هذا الرجل، أستغرب البعض!! تهجمه ونال منهم اللوم , لكنه دفع ذلك حين قال:
 إن اللوم لا يقع عليها، إنما يقع على المجتمع والدولة التي تسمح بذلك وتتغاضى عنه، كيف لا؟ وهي تغاضت عن أبناء الوطن عبر الإلهاء والتسويف والمماطلة، والى متى نبقى نسكت على الصغار من الأمور حتى يستبيح المغرضين الكبائر، ونحن صيام في صلاة ذكر ونسيان، لا نملك سوى أن نشكو لله، والله يقول أسعى يا عبدي، لماذا؟؟ لا نسعى بالكلمة ونحاول ان نغير الكثير من العادات المريضة والدخيلة، ونعمل على كشف الفساد أي فساد، فإذا رضينا بالصغيرة هانت علينا الكبيرة واللوم أيضا يقع على ذلك الديوث، ومن مثله الكثير في العهد الجديد، الذي سمح لها ان تزيح الحياء والخجل لتعمل متسولة، تستهين بكرامات الناس ورحمتهم وإشفاقهم على هذه المسكينة التي معها، في سبيل أن تزج لأهلها أفلاسا وتجمع هي الملايين، ما لكم أيها الناس!؟ أأصبح عندكم كل شيء سهل! وكل شيء يمكن السماح به، لذا فقد استبيحت المحارم وضاع الحق وضاع المطالب، ان هذه الحالة هي آفة المجتمع، ألا ترون كيف تعمل بخداع ومكر، وضحك على الذقون من خلال غطاء شفاف لا حياء فيه، كان الناس الذي تجمهروا قد لاموا أنفسهم وأحسوا أنهم مغفلون، والبعض الآخر قال: إنني أعطيت صدقة لله وهو يثيب الأجر، والآخرين لم يشعروا بأي شيء، أما الفضوليين فقد زادوا عليها تهجما بكلمات نابية حادة، حاولت هي الهرب لكنها حوصرت بانتظار الشرطة، ان هذه الحالة مرفوضة في المجتمع ويجب علاجها، هكذا تدخل الناس لحسم الموضوع، فترة من الزمن والانتظار، جاء فيها ذلك الزوج الذي ما أن رأته حتى قامت مسرعة وقالت: ان هذا الرجل تهجم عليها وشتمها وأدعى عليها البغي والفساد، هجم زوجها على صاحب الدكان ممسكا به لطما وركلا، والناس تنظر دون تدخل بعد أن أدماه وأوجعه وهم يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، واحد او اثنان من الواقفين تدخلوا للحجز فيما بينهم، إلا ان آخرين جاؤوا مع زوجها كانوا كعصابة، أما الفضوليون فقد خرست ألسنتهم بعد ان دوت الصفعات على قفاه، فتملصوا بعيدا، صرخ الرجل.. يا عالم يا ناس ساعدوني؟؟ لكنه وجد الناس قد ازدادت بالتجمهر ورفعت الأيدي عن المساعدة، وهناك... جاءت الشرطة تهلل صفيرا، نزل رجال الشرطة، قال الضابط: ما الخبر! ما الحكاية؟؟

قفز زوجها إن هذا الرجل تهجم على زوجتي، وأراد النيل منها وهي على باب الله، ونحن فقراء إليه لا عمل لنا، ونسعى على تربية أولاد أبرياء وأنا كما ترى رجل مريض، وهذا الرجل حاول ضربي، لكن أصدقائي منعوه من ذلك، أما ابنتي فقد فزعت باكية وهي كما ترى، كان الناس يستمعون للرجل ولكن دون ان يتدخلوا، وعجبوا!!! لتلفيق القصة، أما صاحب الدكان فقد ضاعت معالم وجهه من دماء جارية، فقال الضابط له: أنت ماذا حدث لك؟ قال: إن هذا الرجل ومن معه هجموا علي وأوسعوني ضربا، أرحمني يا سيادة الضابط أنقذني، إنهم عصابة متسولين وهذه الفتاة ليست ابنتهم إنها ابنة جيرانهم والقصة طويلة سأحكيها لك، ولك بعدها أن تسأل الناس من الذي بدأ القتال؟ تطلع نحو الناس الذي تغامزوا فيما بينهم وتحدث البعض بالحقيقة، وكانوا من كبار السن أما الباقين فهم متفرجون فضوليون فقط، شأنهم شأن الباقي من الشعب الذي يُسلب وهو يتفرج ولا يحرك ساكنا خوفا من ضرب او تمزيق وجوه، سحب الضابط الرجل وقاد الجميع الى مركز الشرطة، انفضت الناس من حولهم، صاحب الدكان حصل على أربع غرز خياطة في رأسه، وعين متورمة زرقاء وضلعين مكسورين وعاد إلى دكانه، أما زوج المتسولة فقد نال لوما وتحذيرا على فعلته، وأعتبر تدخله في الأمر مسألة شرف، أما هي فبعد أن كشفت وجهها للضابط قال لها: عليك بعد الآن أن لا تتسولي في نفس المكان وابحثي عن مسجد غيره، أما القضية فقد اعتبرت خدشا في الحياء العام، شأنها شأن قضية تحل عبر دنانير تدفع كالعادة اعتبارها هدية لا رشوة لا سامح الله، فالناس في رمضان تستهجن ذلك، كما إنها تبطل الصيام وهذا لا يجوز شرعا، أما صاحب الدكان بعد أن سجل رقما قياسيا في الإصابات، حكموا عليه عشائريا أن يدفع إلى الرجل دية قدرها مليوني دينار، نتيجة تعرضه للمتسولة وهي امرأة ضعيفة بعد ان فزع العديد من الشيوخ شهامة لتدنيس شرف، وتناسوا تدنيس وطن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى