الاثنين ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
قصة
بقلم غزالة الزهراء

أوجاع قلب

بسطت قدام عينيها المجهدتين ملفات ماضيها العتيق، وأنشأت للتو تنقب بين طيات الصفحات عن أمل يصدح بعذوبة ليبدد عنها جحيم الليالي العابسة، ومشاكسة الزمن الصعب.
من يتجاسر على تضميد جرحها الغائر الذي ينزف وديانا من الوحشة، والآه، والدم؟ من يكفكف عنها مجاري الدمع السخي الذي أحرق الوجنتين المتوردتين؟

توغل بصمت آسر معذب في أدغال الذكريات الغابرة، تمتطي صهوة الشوق الجامح العنيد سرا وعلانية، تتسلق شبابيك الترقب الصدئة باحثة عن مرفأ أمان لتتخذه موطنا حميميا رائعا تستكين فيه من شغب النهار.
كلما تعصف بها أشباح القلق النكراء، وتعشش في حناياها عنوة تهرب إلى ماضيها العتيق هروب الشاة المبللة بزخات المطر البارد، تقلب أرشيف ذاكرتها رويدا رويدا، وتحط الرحال عند أول محطة من محطات حياتها.

تومض الذكريات في كواليس مخيلتها كسنا البرق الخاطف، تداعبها في انبهار ساحق مثلما تداعب أنامل النسيم الطرية شعر غجرية فائقة الحسن والبهاء.
ـــ دعيه ليشق دربه الشائك بنفسه، وليثبت وجوده على أرضية الواقع.
ـــ أو هذا ماتصبو إليه يا رجل؟
رد الزوج بثقة أكيدة: هدفه الوحيد هو إتمام دراسته هناك ليس إلا.

لم تتمالك نفسها بل انطلقت من فيها الكلمات مترعة بالغيظ، والأنين، والأسى: ستباعد بيني وبينه المسافات، سأنصهر في بوتقة الشوق، ولا أقوى أبدا على بعاده المر. أنا متيقنة تماما أنني سأحيا شبه ميتة على وجه الأرض.
ـــ لا تضخمي الأمور إلى هذا الحد، ألا تهللين ابتهاجا عندما يصير عنصرا فعالا في هذا المجتمع الفسيح الأرجاء؟
ابتلعتها دائرة الصمت المحنط، وتوارت بكل أحاسيسها الجياشة خلف أسوار شاهقة من التخمين.

لحد الساعة ما زالت محتفظة بدراجته الجميلة، كانت تراقبه بعينين حذرتين من نافذة الدار، سقط فجأة، هرعت إليه دون وعي، صرخت بأعلى صوت: حبيبي، قرة عيني، أتشتكي من شيء؟
ـــ آي ! ركبتي.
انحنت عليه، ساندته في النهوض وهي تقول مهددة: سأبيع هذه الدراجة اللعينة، لن تراها من اليوم.
صرخ بصوت صبياني بريء: لا، لا، أرجوك لا تفعلي.
ـــ إذن احترس مرة أخرى وإلا........

متى يعود الغالي إلى موطنه المعشوشب وقد كللته أوسمة النجاح؟ متى يعود لينضو عن قلبها اليائس ضباب الوجع، ويداويها من عطب الفراق؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى