الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم نور الدين محمود سعيد

عن المَلِكين و متاهتهما

لـ غوركي لويس بورخيس

يحكى فيما مضى على لسان أهل العلم من ذوي الحكمة والإيمان، (والله أوسع علماً)، أنه في سالف العصور الغابرة، كان ثمة ملِك على جزر بابل القديمة، وذات مرة، حشر فنادى جمعاً من سحرته ومعمارييه، وأمرهم بتشييد بناية على هيئة متاهة، تُعجز ذوي التبصر والذكاء من محبي المغامرة، أن يخرجوا منها إذا ما دخلوها، دون أن يصابو بلوثة من جنون، أو تنطبق عليهم حيطانها العالية إلى الأبد.

وواقع الحال أن تلك البناية، لم تكن سوى الجحود والنكران، لأن أهل التبصر من العقال، يدركون أن من يصنع العجائب، تعالى على أن تدركه الأبصار، فيما الذين تدركهم الأبصار، عقولهم أضئل من أن يصنعون العجائب و المتاهات.

مضى زمن، وجاء في ضيافة ملك بابل، ملك من ملوك العرب، وكعادة أهل المدن من الحضر، أن يسخروا من نضرائهم من أهل الصحارى، أراد ملك بابل، أن يهزء من ضيفه، فكان أن أدخله تلك المتاهة، حيث طاف ملك العرب، فيما أعتراه الإحساس بالمهانة والتحقير، وبقى يردد آيات الإبمان، ويبتهل إلى الله، أن يفك عنه ضبم هذه المتاهة المخزية؛ طاف حتى تبين له الغسق، وإذا بقدرة الله تتجلى، أن وجد في نهاية الأمر الباب.

لم يتفوه بكلمة، ولم يعتريه أي أنين، لكنه قال لملك بابل: << في جزيرة العرب، لدي متاهة أضخم من متاهتك وأروع، وبسلامة الله وحفضه، سأعرفك بها ذات يوم>>، ثم قفل عائداً إلى بلاده.

جمع قواده ومحاربيه، وأجتاح مملكة بابل، إنتصر على ملكها وحاشيته، ثم قام بإعتقاله. ربطه على صهوة أحد المهاري من الجِمال السريعة، وحمله إلى الصحراء. مرت ثلاثة أيام من الضيافة، ثم قال ملك الصحراء لملك بابل: << يا ملك الزمان ورمز الحضارة وصانع العجائب، ويا أبهة القرون إ " في بابل كنتم قد أردتم أن أضيع في إحدى متاهاتكم البرونزبة، ذات المدارج والسلالم، والأبواب والحيطان، الآن رب العباد وقهار العلماء والحذّاق من أهل المدن، تجلّت فدرته في أن أُريك أنا متاهتي، حيث لا توجد سلالم عالية، ولا مسارب مهلكة، أو حيطان منيعة تعيق جلالتكم عن المسير.
ثم فك رباطه من الجمل، وتركه في قلب ا لصحراء، حيث شبح الموت مخترقا للجوع والعطش. فيما العزة والجلالة لملك بابل، إذا لم يترائ له ذلك الشبح.

لـ غوركي لويس بورخيس

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى