الجمعة ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

قلم و...رصاص

تسلقت أنامله سطور صفحاته، التي اعتاد ان يكتب من خلالها مقالاته اليومية، تلمس حروفا زرعها بين السطور للقارئ الكريم، هكذا كان يبدأ كتاباته، أيها القارئ الكريم .. ثم يسجل وقائع أحداث سمع عنها من مصدر موثوق، أو عاش معاناتها بنفسه، الكل يعرف أن قلمه شريف، لذا اقسم أن لا يدنس ذلك الشرف بسخافات، وترهات الو لاءات المفروضة على ساحته وواقع أرضه الجديد،

كتب .. بداية بعنوان حكومة شيش بيش .. ثم وجد أن العنوان حاد جدا، ويمكن أن يسبب له المتاعب، وكثرة الأعداء، أو حتى القتل، فالتهديد الذي جاءه في المرة السابقة لم يعره اهتماما، لإيمانه بحرية الصحافة وشرف قلمه، الذي لم يدنس ولم تنتهك عذريته، بكتابةٍ للآخرين من علا شأنهم في وقت كان الشعب يرسم أحلاما وردية بعد السقوط، حتى هو وقلمه كانا حبيسين في زنزانة لعدم رضا السلطة عنه، فحال خروجه، أطلق العنان لنفس صَامْت عن ذكر الحق سنينا، وقلماً جف دمهُ بشرايينهِ، حتى اضمحلت كل بذور ومعاني كلمات أراد صياغتها بحرية، عاد مرة أخرى لصفحته وصياغة الحدث، وتلك الرصاصة التي جاءت إلى منزله معنونة باسمه، توقف عن الكتابة وإلا؟؟؟ مكتوب على قصاصة الورقة .. اّه ...الورقة .. نديمي وعنوان الحقيقة، أصبحت الآن أداة تهديد، لم أكن أتخيل أنها ترضى أن تكون ملاحظة تهديد لي ،ولكني أعلم انكِ مسلوبة الإرادة محكوم عليكِ أن تُرْمَي بعد استيفاء الغرض منك إلى سلة المهملات، كحال بعض ناسي وأهل بلدي، أصبحوا نفايات لكل من أراد الصعود، والذي عليه أن يجمع اكبر عددا من الأصوات ليرتقي ويرمي بأصحاب الأصوات بعد ذلك إلى الشارع ليزيده ....

لم يستطع لفظها، إن سوء الفهم لدى الناس وعدم الوعي، اوقع الكثيرين بحبال صائدي الجوائز، والقانون لا يحمي المغفلين، لكن هل نحن مغفلون؟؟ قالها في نفسه: إذن أنا منهم، فكنت مغفلا حين صدقت بأن الحرية سـتأتي مع أو صوت للديمقراطية، وأن صوت الحق لبلد عانى شدة القهر سنين عجاف، مد يده لأخذ قلمه، قام بحركة جعلت بوابة ولبة الحقيقة تتجرد، وذلك النصل المدبب الذي سَنهِ لغرس الحقيقة في سطور مستقيمة، لم يكره الصفحات البيضاء الخالية من الخطوط ولكن يخيل له إنها سهلة للنيل منها، فلا مسالك تجبرها على قول الحقيقة بانتظام، إن تلك الخطوط بالنسبة له ميزان عدل، لا اعوجاج فيها، لذا ترى الكلمة تتسلق الخط، وتقيد الحروف حوله، حتى لا تتساقط هنا وهناك، أنتبه لعتمة مفاجئة! لقد أُطفأ التيار الكهربائي، تلمست أصابعه عود كبريت، أشعله شم رائحته، أيقظ سيجارته النائمة، أخذ نفساً، أضاء بقعة على سطح مكتبة، بان قلمه والى جانبه رصاصة، قال :يا لك من شجاع أيها القلم، تضطجع بجانب قاتلك ولا تبالي، انك تحفزني لأن تكون من يقودني إلى منصة الإعدام أتسلقها بشجاعة، كتسلقك سطور صفحاتك بالحقيقة، إن نور الحقيقة قد أضاء الطريق لي و لك، فَهّمَ يكتب على وريقاته من خلال نار سيجارته، وهاهي أصابع يده تقود القلم إلى كتابة وصيته، لا يعلم هل له عمرا ليكتب مرة أخرى؟ أم... همس نصل القلم أسرع.. فإن الخطى المميتة باتت وشيكة، لا تركن، لا تتردد، لا تخاف ... كل من عليها فان....

قال كاتبا: إنه في اليوم المصادف ... وفي الساعة .... التقيت بالأستاذ الدكتور الوزير ..... وسألته عن أسباب إنهيار الوضع في العراق؟؟ وهل الحكومة لها يد في ذلك؟؟؟؟ أجاب قائلاً... وأخذت يده تسرع بكتابة ما علق عليه الوزير من كشف حقائق، جعلت سياسة الدولة وقيادتها تزخر بالعمالة والفساد، أزكم الكلام أنفه، توقف لاستنشاق هواء نظيف، لم يستطيع، لقد تلوثت غرفته لم يعد بها مجالا للتنفس من رائحة وعفونة المفردات وحقيقتها الميتة والغائبة عن الناس، إنها كارثة كل هؤلاء عملاء إذن من يحمي الوطن؟ ومن يحفظ حقوق الشعب؟ ومن يدافع عن العراق؟ ضاقت نفسه، سأل محدثه ما مصلحتك بكشف هذة المعلومات الخطيرة؟! نظر إليه وأبتسم، ثم فتح يده وقال له: هذه .. نظر فجمدت مقلتاه ما هذه؟؟؟ رصاصة، قال: نعم وللمرة الرابعة، فلا تسال كثيرا كلنا فاسدون، ومن لم يركب سفينة الرغبة يقطع رأسه، إنه قانون (كاليغولا)، ماج رأسه، وأحس بدوران وصداع من عفونة تلك الأسرار، إنها مميتة بل قاتلة، لا .. لا أجرؤ على نشرها، إنه وزير وطالته أيديهم، فما أكون أنا بالنسبة لهم!!؟ صرخ القلم، بعد أن وخزه بأحد أصابعه، جبان .. جبان نعم.. جبان حي، خير من شجاع ميت، يا لعاري!! قال القلم: وقد رمى بنفسه من يده، لستَ جديرا بحملي، أعد الغمامة على عيني، فالحقيقة دائما عمياء، دعني أعيش في كهفي المظلم، وحيدا إلى الأبد.

لم ينم ليلته تلك ، جاء الصباح.. وتلك الأوراق على المكتب، لم تتطاير رغم أن الهواءً أطار بالورق الأخر، تقدم نحو المكتب، فوجد القلم قد رمى بجسده ممسكا بالورق خوفا من تطاير الحقيقة، أوتكون كباقي الحقائق في مهب الريح، أغتسل وأخذ الأوراق ونظر إلى قلمه خجلا، وهمس قائلاً معتذرا: لا تحكم علي في لحظة ضعف وخوف، ثم قالها بصوت عالٍ" أني أعتذر، ومد يده لأخذ القلم، فقفز إلى أصابعه فرحا، وهمس فيه قائلا: لا حياة بلا حقيقة ونضال، وما أن أمسك مقبض الباب رن الهاتف!! أمسك به إنه رقم غريب لا يعرفه، ولكنه أجاب ..ألو من المتحدث ..ألو .. رد عليه صوت بعد أن سرت بأوصاله من خلال سماعه له برودة الحياة، ماذا قررت؟؟ هل تتوقف عن نشر كتابة المقابلة أم لا؟؟؟ وجم لبرهة!! وهو ينصت إلى ذلك الصوت وعلى غفلة صرخ ... كلاب ..حقراء .. فاسدون كلكم عَفِنون ..لا.. لن أتوقف عن كتابة ونشر الحقيقة، ليعلم العراقيون.. كل العراقيين، أنكم دخلاء.. سُرّاق لصوص الحياة، وأغلق الهاتف، وخرج مسرعا نحو مبنى جريدته، دخل إليها مسرعا، عرض المقالة على المسئولين، منهم من أيد، ومنهم من خاف، وقال :لكنها حقيقة، إذن لابد من النشر، قال رئيس التحرير معلقاً: أنه شرف المهنة، خذها إلى المطبعة الآن، أسرعَ الخطى نزولا إلى المطبعة، امسك قلمه ..وقبلهُ، وقال: إن فخري بك لعظيم اليوم، وأنا كذلك.. همس القلم بعد أن أعاده قرب قلبه، لنحيا معا، أو نموت معا في عراق جديد، رغم كل بعوض وذباب المستنقعات العفنة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى