الجمعة ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

حياة...

بهذه الورقة الرقمية، سأنهي علاقتي بك.

لقد تعدّدتِ اللحظاتُ التي ملأتِني فيها بالخمر والحب.

أيٌّ نوع من الحُبِّ هذا الذي سماؤُه سقفٌ خفيضٌ مُظلِم، هواؤه غازُ ثاني أوكسيد الضياع، طعامُه السِّرْدينُ المقليُّ في الزيتِ المنسي، مجلِسُه كراسي مُتربةٌ بسقطِ الفُشار والكذب، وجُلساؤه هم هنا وغائبون؟

نجومي خمسةٌ كانتْ في سماء "القلعة" بِدُوار "أوْلادُ عَليليشْ". يوم كانت السماءُ سماءً. يوم كان ماءُ الساقية يروي الحيوان قبل الإنسان من دون أن يُصيبَه المرض؛ ويوم كان خبزُ التنّور ينعشُ الرّوح بشذاه التُّرْبي.

كنتُ مُقاتِلاً لا يكِلُّ له رُمحٌ أو قلم، ثم تحوّلتُ إلى مقاوم لا يُخترقُ له خندقٌ أو مِتْراس، ثم تبدّلتُ إلى كيانٍ مهزوم يستحلِمُ النصر ويطعنُ "رفاق الدرب" في الظّهر...
كانتْ لي نجومٌ في سماء الأدب والفن والسياسة... أ لا ما أجْبَنَني! لم تعُدْ لي نجوم.

لا تُحاولي جذبي إليكِ من جديد، فأنتِ مثلُ الشمعة في ضوئها، وأنا مثلُ الفراشة، وليسَ العكس.

قد أموتُ فيك. بل مِتُّ فيك، فأيُّ حياةٍ ما زالتْ في متناولي؟

أنْ تقتليني بسلاح القبلات الخفيفة والثقيلة، باللمسات الحثيثة والهجومية، بالتيار الكهربائي الصاعق المنبعث من نهديْك النارييْن، وبالضمِّ والكسر، والرّفع والنصب... أنا لك... لم أعُد لك... فأنا ما عدْتُ حتّى لنفسي.

أنا رجلٌ هرمٌ مهزومٌ حالِمٌ طائرٌ زاحِفٌ قرّر أن يُطلِّقَك طلاقاً خُماسيا... فلا لقاء، ولا مِهتافٌ، ولا مراسلة إلكترونية، ولا رسالةٌ تقليدية، ولا وساطة.

تقولين:"أنا أبْغيكَ/ أُحِبّكَ ولسوف أصرخُ أمام الملأ بابتغائي وحُبّي لك إنْ لم تُصدِّقني".
"حياة"... حياتي... لقد أشفقتُ عليك عندما نطقتِ كلمة "حبّ" خلف حجابِ الخمر والدخان.

ما أنتِ إلا صبيّة واهمة! ما أنتِ سوى بَغِيّ صغيرة شديدةُ الاحتراف؟

في زمنٍ مضى كنتُ أهتِفُ بالحبِّ وأنظمُ فيه ما شيءَ لي من قصائد شعرية وقصص وروايات. كان الحُبُّ شِعاري والمبادئُ الانسانية... فهل مازلتُ "إنساناً" وأنا أستمتعُ بإغراقِك في الرّذيلة؟

سبق لي القتالُ، المقاومةُ، والانهزامُ؛ ولم تسبِق لي الغوايةُ...
لهذا السبب، سوف لن ترينني أبدا... ولماذا تنتظرين منّي حتّى أنتحرٌ؛ فأنا انتحرتُ مِن زمان.

سؤالٌ أخير ما بعد مراسيم الدّفن:"هل ما زلتِ تعتقدين في إمكانية الحبّ بين شيخ يشتغلُ على شنْقِ نفسِه وامرأة في جمال معزة صغيرة تدّعي المعرفةَ بسِرّ الكون؟
إنّه "الانتحارُ الرقمي".

إنّها حياتُنا الرقمية والعالمُ الافتراضي؛ بأرقامٌ في عدد الأوراق النقدية التي سلبتِ منّي لحظةَ سلبتُ منكِ دِفءَ الطفولة وبراءتِها .

ولقد تذكّرتُ.

تذكّرتُ بأنّك غير موجودة أصلاً. فما أنتِ سوى ترتيبَ أرقامٍ في مُعادلة من الدرجة الخامسة. بل أنتِ في النظام الرياضي "نِضمة" خُماسية الأبعاد صعبة الحلّ.
وأنا كنتُ وما زلتُ ضعيفاً في مادّة "العِشق المتصابي" وفي "الرياضيات". ولهذا أسدلتُ الستارَ على "الكومبيوتر"؛ فلا تخترقيه أبداً... لقد مِتُّ ودفنْتُ نفسي في الرّوتين... وإنّا للعشق وإنّا إليه راجعون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى