السبت ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم نجم السراجي

أنا والسهر وردي

الجزء الاول

الاغترابُ سِنّةٌ أزليةٌ ابتدعها الفكر!
والفكرُ شجرةُ ملعونةُ، اقترابكَ منها خطيئة تقطعُ الدروبَ عن التوبةِ !
لكنها شجرة الحُلمِ المنْزُوعِ
تزحفُ إليها دونَ غواية / تدمنها /
فتلحقُكَ الخطيئةُ وتغتربُ !
عبثا ...
تقف عندَ مذبح فكركَ كراقدِ ليلٍ تحصي خطاياك،
تلمح الأفقَ المرَّصَعَ بضوءِ القمر ،
تنظر بعيداً ، ترسم في أكثر منْ موضعٍ ،
تتزلف علَّكَ تجد منْ يُنّقي بياضَ ثوبِكَ منَ الدنس ،
قالوا :
منْ يغسل خطاياه بميلادٍ آخر لابُّدَ أنْ يستل سيفاً يُقَطّعُ به أوصالَ الخطيئةِ،
ولأنكَ تكره سلَّ السيوف قمْتَ واغتسلْتَ بملْحِ البراري...!
هي وثبةٌ / انطلاقةٌ / يمرِرُها " المُريدُ " لا يمكن الامتناع عنها أو بطاقةٌ إيمائيةٌ تسايرُ روحَكَ لتهيم في برزخِ الألمِ والفناءِ فلا يوقظها ضجيجُ المضاجعِ،
قد تكشف لكَ تلك الصباحات ورقة ً في هذا العالمِ الغريبِ تفتتت فيها عبثيةُ الأقدارِ !
قالتْ التي آوَتْكَ :
الفناءُ تحررٌ إلى المطلقِ يخرجُ مِنْ رَحِمِ الحقيقةِ ، يختلطُ فيه المُدْرَكُ بالمحسوسِ ،
أولهُ إقامَة البدَنِ في خدمةِ المعشوقِ ، يتبعها خفةُ روحٍ تواقةٍ إلى المَلَكوْتِ ...
سَأَلتَهَا ... قالَتْ :
الواهِم ُ منْ حرَّرَ روحَهُ دُونَ الجَسَدِ،
الخاسرُ مَنْ لَوَّثَ أنهارَ العُيونِ وترَكَ خُبزَ المُتَعَففين،
والخائِب ُمنْ قَطَعَ شجرةَ الألمِ فَجَفتِ الأغصانُ في يديه !
أنتَ بحاجةٍ إلى نومٍ عميقٍ يُدْخِلكَ في دوّامةِ النسيانِ،
رُبَما أنتَ بحاجةٍ إلى فِكْرةٍ مجرّدةٍ تسدّ عليّكَ منافذَ الأفكارِ وطُقُوسَ النَدَمِ ...
***
همسٌ يدفعُ أنَاكَ للبكاءِ
فيجعل بينَكَ وبينَهُ لقاء !
لكن ...
أيبكي مَثَلُكَ ؟
وأي الدروبِ سيسلك دمعكَ العصيِّ وأنتَ حصانٌ بريٌ كُلَّما رَوَضَّكَ الألمُ تَزداد عَنْدا ؟
ذاكَ أنتَ ، تعشقُ الفكرَ حدَّ الانجرافِ فتؤمن به / تكبر به / كطفلةٍ تلبس ثوبَ أُختها لتكبر !
تنطلق...
لا يمسِككَ غير ريح فكر يسلب لبكَ للحظةٍ فتنيخ له وِطْراً وتنتفض بعدها تبحث عنْ فكرٍ آخر يمرق بين أصابعكَ لتنيخ له وتدور!
الاتجاهاتُ لعبتُكَ تُحْكِم فيها السيطرةَ على المسافاتِ وتمسكَ بطينِ الشواطئِ فلا يفلِتُ منْ كَفِكَ المَدارُ !
هكذا خُيِّلَ إليكَ ، حتى وجَدْتَكَ مُنكَسِراً على بابِها تفتقد الدفءَ وقهوةَ الصباحِ ،
في لحظةِ رحيلكَ انتَظَرَتْ " همْسَة ً " في أذنِها / زوادة عاشقٍ / في طريقٍ موحشٍ لا يسلكهُ غير الدراويشٍ ،
هذا أنت ، وها هي الريحُ التي جرفتكَ حيث ضياء المدنِ الكبيرةِ وسحرِها لتهوى كنجمٍ فقدَ بريقَهُ !
تحطكَ الآن على بابِها !
تترك في حضنِها ما تبعثرَ منْ أوراقِكَ ومنْ جسدٍ أثقلتهُ جراحُ الهزائم فتخلد إلى النومِ كأي طفلٍ فقد الأمانَ،
لكنكَ بكيتَ !
نعمْ بكيتُ أنا... مَنْ مِنا ليسَ بحاجةٍ إلى بكاءِ ؟
***
كما الناي يغترب!
تغترب أنتَ ... تعلِن انتماءَكَ إلى الألمِ
تعزف ، تأن ، تشجو ...
ويحمل الريح أنينكما وتنمو روحُكَ على
رغوةِ الانتماءِ و تعتصم بالعشقِ ...
قال السهروردي:
( حينَ يعلن ذاكَ الراعي اغترابَهُ ويكف عنْ عزف الناي ستأكل الصحراءُ حتى أشواكَها.)
السهروردي ،
عاشقٌ شفافٌ يرنو إلى الجمالِ ،
في هَدْأةٍ مِنْ ليلٍ ،
نَظَرْتَ إلى هَدْئِه وذاكَ الوقارِ ،
سَمِعْتَهُ يَشجو :
أنا العاشقُ للجمالِ
وجمالُ وجهكَ مَولاي هوَ أصلُ الجمالِ
أتيتُكَ ...
أخوض بسفر روحي إليك
وأشكو الظمأ !
أي ظمأ هذا الذي لا يرتوي إلا بالتوحد والفناء ؟
يغْتَرِب " المريدُ " فيه طوعاً ، يخرجُ مِنْ أناه ، يَنزعُ ما يلصقهُ بهذه الأرضِ ويمسك بخيوطِ الوجدانِ وفيض فكرٍ مسكونٍ بمزيةِ الدرويش ،
أومأ برأسهِ يرددُ:
بَخ ٍ بَخ ٍ ناسكٌ انفصَلَ عن لهوِ حياةٍ هوَ فيها عابرُ سبيلِ،
قال اتبعني،
أغْلِقْ منافذَ الشيطانِ واسْلكِ الدربَ كأي غريبٍ / مريدِ / يَرمي الفرارَ مِن سوى الله !
تباطَأتْ خُطواتُكَ ،
قالَ اتبعني حيث النور في المطلق
تَعثرَ صوتُكَ وتراخَتِ الأعضاءُ وتصالَبَتْ قدماك ووجَدْتَكَ في عزِ الظنونِ مُلتصقاً بأرضٍ تَلحَس ملْحَها بلسانِ مشطور ...
وعَلا هوَ يرْمِي التَوَحدَ والفناءَ في المَعشوقِ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى